والفرق بين الاحتياط والوسوسة: أن الاحتياطَ الاستقصاءُ والمبالغةُ في اتباع السنة وما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، من غير غلوٍّ ومجاوزة، ولا تقصير ولا تفريط. فهذا هو الاحتياط الذي يرضاه الله ورسوله.
وأما الوسوسة، فهي ابتداعُ ما لم تأتِ به السنة ولم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدٌ من أصحابه، زاعمًا أنه يصلُ بذلك إلى تحصيل المشروعِ وضبطه، كمن يحتاطُ ــ بزعمه ــ ويغسل أعضاءه في الوضوء فوق ثلاث، فيُسْرِف في صبِّ الماء في وضوئه وغَسْله؛ ويصرِّح بالتلفظ بنية الصلاة مرارًا أو مرة واحدة، ويغسل ثيابه مما لا يتيقَّن نجاسته احتياطًا، ويرغبُ عن الصلاة في نعله احتياطًا، إلى أضعاف أضعاف هذا [١٧٠ ب] مما اتخذه الموسوِسون دينًا، وزعموا أنه احتياط. وقد كان اتباع (١) هديِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه أولى بهم، فإنه الاحتياطُ الذي مَن خرج عنه فقد فارق الاحتياط، وعدل عن سواء الصراط. فالاحتياطُ كلُّ الاحتياط: الخروجُ عن خلاف السنة، ولو خالفت أكثرَ أهل الأرض بل كلَّهم.
فصل
والفرق بين إلهام الملَك وإلقاء الشيطان من وجوه:
منها: أن ما كان لله موافقًا لمرضاته وما جاء به رسولُه، فهو من الملَك. وما كان لغيره غيرَ موافق لمرضاته، فهو من إلقاء الشيطان.
(١) في الأصل: «الاحتياط اتباع». وكذا في (غ). وفي غيرهما: «الاحتياط في اتباع». وفي النسخ المطبوعة: «الاحتياط باتباع». ويظهر لي أن كلمة الاحتياط وقعت سهوًا.