للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بكفايته سبحانه وحسنِ اختياره لعبده إذا فوَّض إليه مع قيامه بالأسباب المأمورِ بها واجتهادِه في تحصيلها. فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظمَ المتوكلين على الله، وكان يلبس لأمتَه ودرعَه، بل ظاهَرَ يوم أحُد بين درعين (١). واختفى في الغار ثلاثًا (٢). فكان متوكلًا في السبب، لا على السبب.

وأما العجز، فهو تعطيل الأمرين أو أحدِهما. فإما أن يعطِّل السبب عجزًا عنه، ويزعمَ أن ذلك توكلٌّ. ولعمرُ الله، إنه لَعجز وتفريط. وإما أن يقوم بالسبب ناظرًا إليه معتمِدًا عليه، غافلًا عن المسبِّب معرِضًا عنه. وإن خطر بباله لم يثبُت معه ذلك الخاطر، ولم يعلَقْ (٣) قلبُه به تعلُّقًا تامًّا بحيث يكون قلبه مع الله، وبدنُه مع السبب. فهذا توكُّلُه عجز، وعجزُه توكُّل.

وهذا موضع انقسم الناس فيه طرفَين ووسَطًا: فأحدُ الطرفين عطَّل الأسباب محافظةً على التوكل، والثاني عطل التوكُّل محافظةً على السبب، والوسطُ عَلِم أن حقيقة التوكُّل لا تتم إلا بالقيام بالسبب، فتوكَّلَ على الله في نفس السبب.

وأما من عطَّل السبب وزعم أنه متوكلٌ، فهو مغرور مخدوع مُتمَنٍّ، كمن عطَّل النكاحَ والتسرِّي وتوكَّل في حصول الولد، وعطَّل الحرثَ والبَذْر وتوكَّل في حصول الزرع، وعطَّل الأكلَ والشربَ وتوكَّل في حصول الشِّبَع


(١) أخرجه الإمام أحمد (١٥٧٢٢)، وابن ماجه (٢٨٠٦)، والترمذي في الشمائل (١٠٤)، والنسائي في الكبرى (٨٥٨٣) من حديث السائب بن يزيد. وإسناده صحيح. (قالمي).
(٢) انظر حديث الهجرة الذي أخرجه البخاري (٣٩٠٥) عن عائشة رضي الله عنها.
(٣) كذا في جميع النسخ، وهو جائز، ولكني أخشى أن يكون الأصل: «ولم يتعلَّقْ».