للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والري. فالتوكلُ نظير الرجاء، والعجزُ نظير التمنِّي.

فحقيقة [١٦٩ ب] التوكل أن يتخذ العبد ربَّه وكيلًا له، قد فوَّض إليه كما يفوِّضُ الموكِّلُ (١) إلى وكيله العالمِ بكفايته ونهضته، ونصحه وأمانته، وخِبرته وحسن اختياره. والربُّ سبحانه قد أمَر عبدَه بالاحتيال، وتوكَّلَ له بأن يستخرجَ له من حيلته ما يُصلِحه، فأمَره أن يحرث ويبذُر ويسعى، ويطلب رزقَه في ضمن ذلك، كما قدَّره سبحانه ودبَّره واقتضته حكمته. وأمَره أن لا يُعلِّق قلبه بغيره، بل يجعلَ رجاءه له، وخوفه منه، وثقته به، وتوكُّله عليه. وأخبره سبحانه أنه الملِيُّ (٢) بالوكالة، الوفيِّ بالكفالة.

فالعاجزُ من رمى هذا كلَّه وراء ظهره، وقعد كسلانَ طالبًا للراحة مُؤثرًا للدَّعة. يقول: الرزقُ يطلب صاحبَه كما يطلبه أجلُه، وسيأتيني ما قُدِّر لي على ضعفي، ولن أنال ما لم يقدَّر لي مع قوتي. ولو أني هربت من رزقي كما أهربُ من الموت للحقني. فيقال له: نعم، هذا كلُّه حقٌّ. وقد علمتَ أن الرزقَ مقدَّر، فما يدريك كيف قدِّر لك: بسعيك أم بسعي غيرك؟ وإذا كان بسعيك؟ فبأيِّ سبب، ومن أي جهة؟ وإذا خفيَ عليك هذا كلُّه، فمِن أين علمتَ أنه يقدَّر لك إتيانه عفوًا بلا سعي ولا كدٍّ؟ فكم من شيء سعيتَ فيه، فقُدِّر لغيرك رزقًا! وكم من شيء سعَى فيه غيرُك، فقُدِّر لك رزقًا، فإذا رأيت هذا عيانًا، فكيف علمت أنَّ رزقك كلَّه بسعي غيرك؟

وأيضًا فهذا الذي أوردَتْه عليك النفسُ يُوجِب عليك طردَه في جميع الأسباب مع مسبباتها، حتى في أسباب دخول الجنة والنجاة من النار. فهل


(١) (أ، ق، غ): «الوكيل».
(٢) (ب، ج): «المانّ»، تحريف.