للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلب أخذ الشيء قبل وقته، فهو لشدَّة حرصه عليه بمنزلة مَن أخَذَ (١) الثمرة قبل أوان إدراكها. فالمبادرةُ وسطٌ بين خلُقين مذمومين: أحدهما التفريط والإضاعة، والثاني الاستعجال قبل الوقت.

ولهذا كانت العجلة من الشيطان، فإنها خِفَّة وطيش وحدَّة في العبد تمنعه من التثبُّت والوقار والحلم، وتوجب له وضعَ الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعًا من الشرور، وتمنعه أنواعًا من الخير. وهي قرينُ الندامة، فقلَّ مَن استعجل إلا ندم، كما أنَّ الكسل قرينُ الفوت والإضاعة.

فصل

والفرق بين الإخبار بالحال وبين الشكوى وإن اشتبهت صورتُهما: أنَّ الإخبار بالحال يقصد المخبِر به قصدًا صحيحًا من علمِ سببِ إزالته، أو الاعتذار لأخيه من أمرٍ طلبه منه، أو يحذِّره من الوقوع في مثل ما وقع فيه، فيكون ناصحًا بإخباره له، أو حمله على الصبر بالتأسِّي به. كما يُذكَر عن الأحنف أنه شكا إليه رجلٌ شكوى، فقال: يا ابن أخي، لقد ذهب ضوء عيني من كذا وكذا سنة، فما أعلمتُ به أحدًا (٢). ففي ضمن هذا الإخبار مِن حمل الشاكي على التأسِّي والصبر ما يُثاب عليه المخبِرُ. وصورتُه صورةُ الشكوى. ولكنَّ القصد ميَّز بينهما.


(١) ما عدا (أ، غ): «يأخذ».
(٢) أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه (١٢٩١). وانظر: صفة الصفوة (٣/ ١٩٩). وفي عدة الصابرين (٥٢٩): «شكا الأحنف إلى عمه ... ». وكذا في إحياء العلوم (٤/ ١٣٣). والظاهر أنه مقلوب.