للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الأموات على فُرُشِهم، وإن كان الميِّت على فراشه أعلى درجةً من كثير (١) منهم، فله نعيمٌ يختصُّ به، لا يشاركه فيه مَن هو دونه.

ويدلُّ [٦٣ ب] على هذا أنَّ الله سبحانه جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خُضر، فإنَّهم لما بذلوا أبدانَهم (٢) لله حتى أتلفها أعداؤه فيه أعاضَهم منها في البرزخ أبدانًا خيرًا منها، تكونُ فيها إلى يوم القيامة. ويكون تنعُّمها بواسطة تلك الأبدان أكملَ من نعيم (٣) الأرواح المجرَّدة عنها. ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمةُ الشهيد في جوف طير.

وتأمَّلْ لفظ الحديثين، فإنه قال: «نسمةُ المؤمن طير»، فهذا يعمُّ الشهيد وغيرَه. ثم خصَّ الشهيد بأن قال: «هي في جوف طير»، ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صَدَق عليها أنها طير. فصلوات الله وسلامه على مَن يصدِّقُ كلامُه بعضُه بعضًا، ويدلُّ على أنه حقٌّ من عند الله. وهذا الجمع أحسن من جمعِ أبي عمر وترجيحِه روايةَ مَن روى: «أرواحهم كطير خضر». بل الروايتان حقٌّ وصواب، فهي كطير خضر، وفي أجواف طير خضر.

فصل

وأما قول مجاهد: ليس هي في الجنة، ولكن يأكلون من ثمارها ويجدون ريحها. فقد يُحتَجُّ لهذا القول بما رواه الإمام أحمد في مسنده (٤)


(١) «من كثير» ساقط من (ط).
(٢) (ق): «أنفسهم».
(٣) ما عدا (أ، غ): «تنعم».
(٤) برقم (٢٣٩٠). وأخرجه ابن حبان (٤٦٥٨)، والحاكم (٢/ ٧٤)، والطبراني في المعجم الكبير (١٠٨٢٥)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر، كلهم من طريق ابن إسحاق، به. وهو في سيرة ابن إسحاق (٢/ ١١٩ ــ سيرة ابن هشام) وإسناده حسن لأجل ابن إسحاق وقد صرّح بالتحديث في السيرة وعند أحمد وابن حبان وغيرهما. وصححه الحاكم، وقال ابن كثير في تفسيره (٢/ ١٦٤): «وهو إسناد جيد». (قالمي).