للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك الاجتهادُ هو بذلُ الجهد في موافقة الأمر، والغلوُّ مجاوزته وتعدِّيه (١). وما أمَرَ الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: فإما إلى غلوٍّ ومجاوزةٍ، وإما إلى تفريطِ وتقصير. وهما آفتان لا يخلص منهما في الاعتقاد والقصد والعمل إلا من مشى خلفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وترك أقوال الناس وآراءَهم لِما جاء به، لا مَن ترَك ما جاء به لأقوالهم وآرائهم.

وهذان المرضان المُخْطِران (٢) قد استوليا على أكثر بني آدم. ولهذا حذَّر السلفُ منهما أشدَّ التحذير، وخوَّفوا من بُلي بأحدهما بالهلاك. وقد يجتمعان في الشخص الواحد، كما هو حالُ أكثرِ الخلق: يكون مقصِّرًا مفرِّطًا في بعض دينه، غاليًا متجاوزًا في بعضه. والمهديُّ من هداه الله.

فصل

والفرق بين النَّصيحة والتأنيب: أنَّ النصيحة إحسانٌ إلى من تنصحه بصورة الرحمةِ له، والشفقةِ عليه، والغَيْرةِ له. وعليه فهو إحسانٌ محضٌ يصدر عن رحمةٍ ورقِّةٍ ومُرادُ الناصحِ بها وجهُ الله ورضاه، والإحسانُ إلى خلقه، فيتلطَّفُ في بذلها غايةَ التلطُّف، ويحتمل أذى المنصوح ولائمته، ويعامله معاملةَ الطبيبِ العالمِ المشفقِ للمريض (٣) المُشبَعِ مرضًا، فهو


(١) في الأصل: «بمجاوزه وتعديه». وكذا في (ق، غ، ط). وفي (ب، ج، ز): «مجاوزة وتعدية». والمثبت من (ن). وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) في (ط، ز) والنسخ المطبوعة: «الخطِران». وما ورد في الأصل وغيره صواب محض، وكذا في الطبعة الهندية. وهو من أخطَر المرضُ فلانًا: جعله بين السلامة والتلف (المعجم الوسيط).
(٣) (أ، غ): «المريض». (ق): «بالمريض».