للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمة (١).

وكأنَّ هذا القائل رأى أن الشكوى إلى الله تنافي الصبر، وغلِط أقبحَ الغلط، فالمنافي للصبر شكواه، لا الشكوى إليه. فالله يبتلي عبدَه ليسمع تضرُّعه ودعاءه والشكوى إليه، ولا يحبُّ التجلُّدَ عليه. وأحَبُّ ما إليه انكسارُ قلبِ عبده بين يديه، وتذلُّلُه له، وإظهارُ ضعفِه وفاقتِه وعجزهِ وقلةِ صبره. فاحذر كلَّ الحذر من إظهار التجلُّدِ عليه، وعليك بالتضرُّعِ والتمسكن، وإبداء العجز والفاقة والذُّلِّ والضعف؛ فرحمتُه أقرب إلى هذا القلب من اليد للفم.

فصل

وهذا بابٌ من الفروق يطول (٢)، ولعلَّ إن ساعد القدَرُ أن نُفرِد (٣) فيه كتابًا كبيرًا، وإنما نبَّهنا بما ذكرنا على أصوله، واللبيبُ يكتفي ببعض ذلك.

والدِّينُ كله فَرقٌ، وكتابُ الله فُرقانٌ، «ومحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - فَرقٌ بين الناس» (٤). ومن اتقى اللهَ جعل له فرقانًا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: ٢٩]. وسمَّى يومَ بدرٍ يومَ الفرقان (٥) لأنه فرَق بين أولياء


(١) حكاه القشيري في الرسالة (١/ ٣٢٨) عن الأستاذ أبي علي الدقاق.
(٢) هذا في (غ، ن، ز). وفي غيرها: «مطوَّل».
(٣) (ط): «أجمع».
(٤) من حديث جابر بن عبد الله، أخرجه البخاري (٧٢٨١). في نسخة أبي ذر: «فرَّق». وفي غيرها كما أثبتنا من (ن). ولم تضبط في النسخ الأخرى. والفرق هنا بمعنى الفارق، وصف بالمصدر. يعني: يفرق بين المؤمنين والكافرين بتصديقه وتكذيبه. انظر: النهاية لابن الأثير (٣/ ٤٣٩)، وفتح الباري (١٣/ ٢٥٦).
(٥) في قوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال: ٤١].