للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يُلتفَت إلى غير هذا من تُرَّهات القوم (١)، كما قال بعضهم: لمَّا قال: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} قال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا}، ولم يقل: صبورًا؛ حيث قال: مسَّني الضر (٢).

وقال بعضهم: لم يقل: ارحمني، وإنما قال: {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فلم يزِدْ على الإخبار بحاله ووصْفِ ربِّه (٣).

وقال بعضهم: إنما شكا مسَّ الضُّرِّ حين ضعُفَ لسانُه عن الذكر، فشكا مسَّ ضُرِّ (٤) ضعفِ الذِّكر، لا ضُرِّ المرض والألم.

وقال بعضهم: استخرج منه هذا القول، ليكون قدوةً للضعفاء من هذه


(١) يعني الصوفية.
(٢) الرسالة القشيرية (١/ ٣٢٨). ونص قوله: « ... ولم يقل: صبورًا؛ لأنه لم يكن جميع أحواله الصبر، بل كان في بعض أحواله يستلذُّ البلاء ويستعذبه، فلم يكن في حال الاستلذاذ صابرًا، فلذلك لم يقل: صبورًا».
(٣) رواه القشيري في موضعين من رسالته (١/ ٣٢٨)، (٢/ ٤٤٩) عن الأستاذ أبي علي الدقاق. ولفظه في الموضع الأول: «حقيقة الصبر: الخروج من البلاء على حسب الدخول فيه، مثل أيوب عليه السلام فإنه قال في آخر بلائه: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، فحفظ أدب الخطاب؛ حيث عرَّض بقوله: {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ولم يصرح بقوله: «ارحمني». وأما الموضع الثاني فلم يذكر فيه أول المقولة «حقيقة الصبر ... »، وإنما استدلّ به على حفظ آداب الخطاب. والمصنف نفسه أورد قول أيوب عليه السلام هذا ضمن الشواهد على الأدب مع الله في مدارج السالكين (٢/ ٣٨٠). واستحسنه شيخ الإسلام فقال في مجموع الفتاوى (٢٢/ ٣٨٢): «فقوله هذا أحسن من قوله: ارحمني». وانظر أيضًا: مجموع الفتاوى (١٠/ ٢٤٥).
(٤) (ط): «من).