للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشعراء: ٨٨ ــ ٨٩]. فهذا هو السليم (١) من الآفات التي تعتري القلوب المريضة، من مرضِ الشبهة التي تُوجب اتباعَ الظن، ومرضِ الشهوة التي توجب اتباعَ ما تهوى الأنفس. فالقلب السليم: الذي سَلِم من هذا وهذا.

فصل

والفرق بين الثقة والغِرَّة: أنَّ الثقة سكونٌ يستند إلى أدلَّة وأمارات يسكنُ القلب إليها، فكلما قويَت تلك الأمارات قويت الثقة واستحكمت، ولا سيَّما على كثرة التجارب وصدقِ الفراسة.

واللفظة كأنها ــ والله أعلم ــ من الوَثاق، وهو الرِّباط. فالقلب قد ارتبط بمَن وثق به توكُّلًا عليه وحسنَ ظنٍّ به، فصار في وثاق محبته ومعاملته والاستناد إليه والاعتماد عليه، فهو في وثاقه بقلبه وروحه وبدنه. فإذا سار القلبُ إلى الله وانقطع إليه تقيَّد بحبه وصار في وثاق العبودية، فلم يبقَ له مَفزعٌ في النوائب ولا ملجأ غيره. ويصير عدَّته في شدَّته، وذخيرتَه في نوائبه، وملجأه في نوازله، ومستعانَه في حوائجه وضروراته.

وأما الغِرَّة، فهي حال المغترِّ الذي غرَّتْه نفسُه وشيطانُه وهواه وأملُه الخائب الكاذب بربِّه، حتى أتبعَ نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني. والغرورُ ثقتُك بمَن لا يوثق به، وسكونُك إلى مَن لا يُسكَن إليه، ورجاؤك النفعَ من المحلِّ الذي لا يأتي بخير كحالِ المغترِّ بالسراب. قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: ٣٩].


(١) (ب، ج): «القلب السليم».