للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال تعالى في وصف المغترِّين: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٣، ١٠٤]. فهؤلاء إذا انكشف الغطاء وثبتتْ حقائقُ الأمور علموا أنهم لم يكونوا على شيء، {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: ٤٧].

وفي أثر معروف: «إذا رأيتَ الله سبحانه يزيدُك من نِعَمه، وأنت مقيمٌ على معصيته، فاحذره؛ فإنما هو استدراج يستدرجك به» (١). وشاهد هذا في القرآن في قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: ٤٤]. فهذا من أعظم الغِرَّة أن تراه يتابع عليك نعمَه، وأنت مقيم على ما يكره.

فالشيطان موكَّل بالغرور، وطبعُ الأنفس الأمَّارة: الاغترارُ. فإذا اجتمع الزاني والبغيُّ، والمرابي والمحتاجُ (٢)، والشيطانُ الغَرورُ والنفسُ المغتَّرة= لم يقع هناك خلاف! فالشياطين غرُّوا المغترِّين بالله، وأطمعوهم ــ مع إقامتهم على ما يُسخِطُ الله ويُغضِبه ــ في عفوه وتجاوزه، وحدَّثوهم بالتوبة لتسكن قلوبهم، ثم دافعوهم بالتسويف حتى هجم الأجلُ، فأُخِذوا على أسوأ أحوالهم.


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند (٢٨/ ٥٤٧) والزهد (١٢) عن عقبة بن عامر الجهني مرفوعًا، وحسَّنه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء. وقد أورده المصنف من المسند في عدة الصابرين (٣٨٦) والداء والدواء (٧٧)، وهنا سمَّاه أثرًا. والآية التي استشهد بها جزء من متن الحديث.
(٢) الأصل غير منقوط. وهذه القراءة الصحيحة من (ب، ط، ن). وفي غيرها: «الرأي» موضع «الزاني» و «المرابي» كليهما، وهو تصحيف. وفي النسخ المطبوعة: «الرأي والبغي والرأي المحتاج».