للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُعطِّلها اعتمادًا على التوكُّل، أم تقوم بها مع التوكل؟

بلى (١)! لن تخلوَ الأرضُ من متوكِّل صَبَر نفسَه لله، وملأ قلبَه من الثقة به ورجائه وحسن الظن به، فضاق قلبُه مع ذلك عن مباشرة بعض الأسباب، فسكَنَ قلبه إلى الله، واطمأنَّ إليه، ووثِق به؛ فكان هذا من أقوى أسباب حصول رزقه. فلم يعطِّل السبب، وإنما رغِبَ عن سبب إلى سبب أقوى منه، فكان توكُّله [١٧٠ أ] أوثقَ الأسباب عنده، فكان اشتغالُ قلبه بالله وسكونُه إليه وتضرُّعُه إليه أحبَّ إليه من اشتغاله (٢) بسبب يمنعه من ذلك أو من كماله. فلم يتَّسع قلبه للأمرين، فأعرضَ عن أحدهما إلى الآخر. ولا ريب أنَّ هذا أكملُ حالًا ممن امتلأ قلبه بالسبب واشتغل به عن ربه (٣).

وأكملُ منهما من جمع الأمرين، وهي حالُ الرسل والصحابة. فقد كان زكريَّا نجارًا، وقد أمر الله نوحًا أن يصنع السفينة، ولم يكن في الصحابة من يعطِّل السبب اعتمادًا على التوكل، بل كانوا أقومَ الناس بالأمرين. ألا ترى أنهم بذلوا جهدَهَم في محاربة أعداء الدين بأيديهم وألسنتهم، وقاموا في ذلك بحقيقةِ التوكل، وعمروا أموالهم وأصلحوها، وأعدُّوا لأهلهم كفايتَهم من القوت اقتداءً بسيد المتوكلين صلوات الله وسلامه عليه.


(١) (أ، غ): «بل».
(٢) ما عدا (ب، ج): «اشتغال».
(٣) ولكن هل هذا هو التوكل المشروع؟
وانظر كلام المصنف على التوكل في: مدارج السالكين (٢/ ١١٢)، ونقده لكلام ابن العريف في طريق الهجرتين (٥٧٢).