للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم يرى في ضوء تلك اليقظةِ أنه لو عمل أعمال الثَّقَلَين من البرِّ لاحتقرَها إلى جنب (١) عظمةِ الربِّ تعالى وما يستحقُّه بجلال وجهه وعظيم سلطانه. هذا لو كانت أعمالُه منه، فكيف وهي مجرَّدُ فضلِ الله ومنَّتِه (٢) وإحسانِه؛ حيث يسَّرها له، وأعانه عليها، وهيَّأه لها، وشاءها منه، وكوَّنها. ولو لم يفعل ذلك لم يكن له سبيل إليها، فحينئذٍ لا يرى أعمالَه منه.

وإن الله سبحانه لن يقبل عملًا يراه صاحبُه من نفسه حتى يراه عينَ توفيقِ الله له، وفضلِه عليه، ومنَّتِه عليه، وأنه من الله لا من نفسه، وأنه ليس له من نفسه إلا الشرُّ وأسبابُه. وما به من نعمة، فمن الله وحده، صدقةٌ تصدَّق بها عليه، وفضلٌ (٣) منه ساقه إليه، من غير أن يستحقَّه بسبب، أو يستأهِلَه بوسيلة. فيرى ربَّه ووليَّه ومعبودَه أهلًا لكلِّ خير، ويرى نفسه أهلًا لكل شر. وهذا أساس جميع الأعمال الصالحة، الظاهرة والباطنة. وهو الذي يرفعها، ويجعلها في ديوان أصحاب [١٤٧ ب] اليمين.

ثم تبرقُ له في نور تلك اليقظة بارقةٌ أخرى، يرى في ضوئها عيوبَ نفسه وآفاتِ عمله، وما تقدَّم له من الجنايات والإساءات وهتكِ الحرمات، والتقاعدِ عن كثير من الحقوق والواجبات. فإذا انضم ذلك إلى شهودِ نِعَم الله عليه وأياديه لديه رأى أنَّ حقَّ المنعِم عليه في نعمِه وأوامره لم يُبقِ له حسنةً واحدةً يرفع بها رأسه. فتطامَنَ (٤) قلبه، وانكسرت نفسه، وخشعت


(١) في الأصل: «بالنسبة إلى جنب». وكذا في (ق، غ، ط). والظاهر أنه سهو. فحذف «جنب» في (ب، ج، ز، ن) وكذا في النسخ المطبوعة. وفضَّلتُ حذف «بالنسبة».
(٢) زاد في (ن): «وهدايته».
(٣) في النسخ المطبوعة: «فضلًا» خلافًا لما في النسخ الخطية.
(٤) في (ط، غ): «فيطمئن». وكذا في النسخ المطبوعة، وهو تصحيف.