للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جوارحه، وسار إلى الله ناكسَ الرأس بين مشاهدةِ نعمه، ومطالعة جناياته وعيوب نفسه وآفات عمله، قائلًا: «أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» (١).

فلا يرى لنفسه حسنةً، ولا يراها أهلًا لخير، فيُوجب له أمرين عظيمين: أحدهما: استكثارُ ما منَّ الله عليه (٢). والثاني: استقلالُ ما مِنه من الطاعة، كائنةً ما كانت.

ثم تبرُق له بارقة أخرى، يرى في ضوئها عزَّةَ وقته (٣) وخطرَه وشرفَه، وأنه رأسُ مال سعادته، فيبخل به أن يضيِّعه فيما لا يقرِّبُه إلى ربِّه، فإنَّ في إضاعته الخسرانَ والحسرةَ والندامة، وفي حفظه وعِمارته الربح والسعادة، فيشحُّ بأنفاسه أن يضيِّعها فيما لا ينفعه يوم معاده.

فصل (٤)

ثم يلحظ في ضوء تلك البارقةِ ما تقتضيه يقظته من سِنةِ غفلته: من التوبة والمحاسبة والمراقبة، والغَيرة لربه أن يؤثر عليه غيرَه، وعلى حظِّه من رضاه وقربه وكرامته أن يبيعه بثمن بخس في دارٍ سريعةِ الزوال، وعلى نفسه أن يُملِّك رِقَّها لمعشوق لو فكَّر في منتهى حسنه ورأى آخره بعين بصيرته لأنِفَ لها من محبته.


(١) جزء من سيد الاستغفار. أخرجه البخاري (٦٣٠٦) من حديث شداد بن أوس. وانظر شرحه في طريق الهجرتين (٢٠٣ ــ ٢٠٥)، (٣٥٧ ــ ٣٥٩).
(٢) (ن، ز): «مِن الله إليه».
(٣) (ب، ج): «عزّه ورفعه»، تحريف.
(٤) لم ترد كلمة «فصل» في (ن، ز).