للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما سابقتُه إلى خيرٍ إلا وجدتُه قد سبقني إليه (١).

والمتنافسان كعبدين بين يدي سيِّدهما يتباريان ويتنافسان في مَرْضاته، ويتسابقان إلى محابِّه، فسيِّدُهما يُعجبه ذلك منهما ويُحثُّهما عليه، وكلٌّ منهما يحبُّ الآخر ويحرِّضُه على مرضاة سيده.

والحسدُ خلُقُ نفسٍ ذميمةٍ وضيعةٍ ساقطةٍ، ليس فيها حرصٌ على الخير. فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخيرَ والمحامدَ ويفوز بها دونها، وتتمنى أن لو فاته كسبُها حتى يساويها في العُدْم، كما قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: ٨٩]. وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: ١٠٩].

فالحَسودُ عدوُّ النعمة، متمَنٍّ (٢) زوالَها عن المحسود كما زالت عنه هو. والمنافسُ سابقُ (٣) النعمة، متمنٍّ تمامَها عليه وعلى من ينافسه. فهو ينافس غيرَه أن يعلو (٤) عليه، ويحبُّ لحاقَه به أو مجاوزته له في الفضل. والحسود يحبُّ انحطاطَ غيره حتى يساويَه في النقصان. وأكثرُ النفوس الفاضلة الخيِّرة تنتفع بالمنافسة، فمَن جعل نُصْبَ عينيه شخصًا من أهل الفضل والسبق فنافسه انتفع به كثيرًا، فإنه يتشبَّه به، ويطلب اللحاق به والتقدُّمَ عليه. وهذا لا


(١) أخرجه أحمد في المسند (١٧٥) عن عمر.
(٢) في (ب، ج، غ): «يتمنى» هنا وفيما يأتي.
(٣) كذا في الأصل وغيره. وفي (ن): «سائق». وفي النسخ المطبوعة: «مسابق».
(٤) (ط): «ليعلو». وفي (ب، ج): «ويعلو».