للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نظرتُ إلى ربّي عِيانًا فقال لي ... هنيئًا رضائي عنك يا ابن سعيد

فقد كنتَ قوَّامًا إذا الليلُ قد دجا ... بِعَبْرةِ محزونٍ وقلبِ عميد

فدونكَ فاختَرْ أيَّ قصرٍ تريده ... وزُرْني فإنّي منك غيرُ بعيد (١)

وقال سفيانُ بن عُيينة (٢): رأيتُ سفيانَ الثوري بعد موته، يطيرُ في الجنة في نخلةٍ إلى شجرة، ومن شجرةٍ إلى نخلة، وهو يقول: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: ٦١]. فقيل له: بما أُدْخِلت (٣) الجنة؟ قال: بالوَرع، بالورع (٤). قيل له: فما فعل عليُّ بن عاصم؟ قال: ما نراه إلا مثلَ الكوكب (٥).

وكان شعبة بن الحجَّاج ومِسْعَر بن كِدام حافظَين، وكانا جليلَيْن (٦). قال أبو أحمد اليزيدي (٧):

رأيتُهما بعد موتهما فقلت: أبا بسطام، ما فعل الله


(١) كتاب العاقبة (٢٢٣). وأخرجه أبو نعيم في الحلية (٧/ ٧٤).
(٢) (ب، ط، ج): وقال ابن عيينة.
(٣) (ن): «دخلت».
(٤) «بالورع» الثانية أسقطها ناسخ (ن) ظنًّا منه أنها مكررة. وخوفًا من ذلك وضعت عليها علامة «صح» في (ب، ط، ق).
(٥) كتاب العاقبة (٢٢٣). وانظر: المنامات لابن أبي الدنيا (٢٧٥).
(٦) كذا في (ق، غ)، وفي غيرهما: «خليلين»، وفي (ز): «خليطين». وسياق الكلام في العاقبة (٢٢٣): «رجلين فاضلين جليلين ... وكان شعبة أكبر وأجلّ».
(٧) كذا في (ب، ق، ز، ج) وكتاب العاقبة. وفي (أ، غ): «الترمذي». وفي (ن): «البريدي». وفي (ط): «أحمد بن اليزيدي». وقد وجدت أبا أحمد الترمذي ممن يروي عن سليمان بن أبي الشيخ (ت ٢٤٦).
والسياق ينبئ بأنه من أقران شعبة ومسعر، بل من تلامذتهما، فإنه قال: وكنت إلى شعبة أميل منّي إلى مسعر.

وقد أخرج الخبر ابن عساكر في تاريخ دمشق (٥٢/ ١٦٦) بسنده عن هارون بن هزاري قال: سمعت محمد بن تسنيم الدمشقي يقول: «رأيت شعبة ومسعرًا في النوم ... ». وسياقه شبيه بسياق خبرنا. فهذا أيضًا «آنس بشعبة منه بمسعر». لم أعرف محمد بن تسنيم الدمشقي، ولكن هارون بن هزاري معروف، وهو أبو موسى القزويني المتوفى سنة ٢٥١.
وقال الذهبي في السير (١/ ٢١٩): وروي عن عبد القدوس بن محمد الحبحابي: سمعت أبي يقول: «لما مات شبعة أُريته بعد سبعة أيام، وهو آخذ بيد مسعر ... » وهذا مثل ما في خبر الدمشقي: «وكفّ مسعر في كفّ شعبة».
وعبد القدوس وأبوه كلاهما معروف. فهو عبد القدوس بن محمد بن عبد الكبير بن شعيب بن الحبحاب الأزدي، أبو بكر العطار البصري، من رواة البخاري. وقد حكى البخاري في التاريخ الصغير (٢/ ٢٨١) عنه أن أباه أبا عبد الله محمد بن عبد الكبير مات سنة ٢٠٦. فهذا معاصر لمحمد بن تسنيم الدمشقي، ولكن الغريب أن كليهما أميل إلى شعبة، وأنهما جميعًا رأيا أن كف شعبة بكف مسعر. ثم الأبيات الآتية نفسها أنشدها شعبة محمد بن تسنيم الدمشقي وأبا عبد الله البصري وأبا أحمد اليزيدي أو الترمذي جميعًا!