للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتأخُّر، بخلافِ إهداء ثوابها، فإنَّ العاملَ يحرِص عليها (١) لأجل ثوابها، لينتفعَ به، أو ينفعَ به أخاه المسلم. فبينهما (٢) فرقٌ ظاهرٌ.

الجواب الثالث: أنَّ الله سبحانه يحبُّ المبادرة والمسارعة إلى خدمته، والتنافس فيها، فإنَّ ذلك أبلغُ في العبودية، فإنَّ الملوك تحبُّ المسارعة والمنافسة في طاعتها وخدمتها؛ فالإيثار بذلك مُنافٍ لمقصود العبودية. فإنَّ الله سبحانه أمر عبدَه بهذه القربة إما إيجابًا وإما استحبابًا، فإذا آثرَ بها تركَ ما أُمِرَ به (٣)، وولَّاه غيرَه، بخلاف ما إذا فعل ما أُمِرَ به طاعةً وقُربةً، ثم أرسل ثوابَه إلى أخيه المسلم. وقد قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (٤) [الحديد: ٢١]. وقال: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨]. ومعلومٌ أن الإيثارَ بها يُنافي الاستباقَ إليها والمسارعةَ.

وقد كان الصحابة يُسابق بعضهم بعضًا بالقُرَب، ولا يُؤثِر الرجلَ منهم غيره بها. قال عمرُ: والله ما سابقني أبو بكر إلى خير إلا سبقني إليه (٥)، حتى قال: واللَّهِ لا أُسابقك إلى خيرٍ أبدًا (٦).


(١) «والتأخر ... عليها» ساقط من (ن).
(٢) ما عدا (أ، ق، غ): «وبينهما».
(٣) (غ): «أمره». وكذا في الأصل، لكن يظهر أن الهاء مزيدة فيما بعد.
(٤) في (أ، ق، ج، غ): « ... عرضها السموات والأرض» وهو سهو، فإنها آية أخرى أولها: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ.} في سورة آل عمران (١٣٣).
(٥) «إليه» ساقط من (ب، ط).
(٦) انظر ما أخرجه الإمام أحمد في المسند عن ابن مسعود (٣٦٦٢)، وأبو داود (١٦٧٨) والترمذي (٣٦٧٥) عن عمر رضي الله عنه.