للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله لم يحكِ إجماعَ الأمة من (١) شرق الأرض وغربها، وإنما حكى قولَ أهل المدينة فيما بلغه، ولم يبلُغْه خلافٌ بينهم، وعدمُ اطِّلاعه رحمه الله على الخلاف في ذلك لا يكون مُسقِطًا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. بل لو أجمع (٢) عليه أهلُ المدينة كلُّهم لكان الأخذ بالحديث المعصوم أولى من الأخذ بقول أهل المدينة الذين لم تُضمَن (٣) لنا العِصمةُ في قولهم دون الأمة، ولم يجعل الله ورسولُه أقوالَهم حجَّةً يجب الردُّ عند التنازع إليها. بل قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩].

وإن (٤) كان مالكٌ وأهل المدينة قد قالوا: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، فقد روى الحكمُ بن عُتيبة (٥) وسلَمةُ بن كُهَيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه أفتى في قضاء رمضانَ: يُطعَم عنه، وفي النذر: يُصام عنه (٦). وهذا مذهبُ الإمام أحمدَ وكثيرٍ من أهل الحديث، وهو قول أبي عبيد. وقال أبو


(١) (ب، ط، ج): «في».
(٢) (ب، ط، ج): «اجتمع».
(٣) (ب، ط، ج): «يضمن». وفي (ن) بالياء والتاء جميعًا.
(٤) (ب، ط، ج): «ولو».
(٥) تصحف في (ب، ط، ج) إلى «عيينة».
(٦) فتوى ابن عباس هذه أخرجها أبو داود (٢٤٠١) من رواية أبي حصين عن سعيد بن جبير عنه. وقد عزاها المصنف من قبل إلى أبي داود في فصل وصول ثواب الصوم إلى الميت. وذكر صاحب المغني (٣/ ٨٤) أن الأثرم رواها في السنن، ولا أدري أبالإسناد الذي ذكره المؤلف هنا أم بغيره.