للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مستغنية عن أجسادٍ (١) تقوم بها، وهم مخلوقون قبلَ خلق الإنسان وروحِه، فإذا (٢) كان الملَك الذي يُحدِث الروحَ في جسد ابن آدم بنفخته مخلوقًا، فكيف تكون الروحُ الحادثةُ بنفخه قديمةً (٣)؟

وهؤلاء الغالطون يظنون أنَّ الملَك يُرسَل إلى الجنين بروح قديمة أزليَّة ينفخها فيه، كما يرسل الرسول بثوب إلى الإنسان يلبسه إيَّاه. وهذا ضلالٌ وخطأ، وإنما يُرسِل الله سبحانه إليه الملَك، فينفخ فيه نفخةً، تحدثُ له الروحُ بواسطة تلك النفخة. فتكون النفخةُ هي سببَ حصول الروح وحُدوثها له، كما كان الوطءُ والإنزالُ سببَ تكوين (٤) جسمه، والغذاءُ سببَ نموِّه. فمادَّةُ الروح من نَفْخةِ الملك، ومادَّةُ الجسم من صَبِّ الماء في الرحم. فهذه مادة سماويَّة، وهذه مادة أرضيَّة. فمن الناس من تغلِبُ عليه المادَّة السماوية، فتصير روحُه علويةً شريفةً تُناسِب الملائكة. ومنهم من تغلِبُ عليه المادَّة الأرضية، فتصير روحُه سفليةً ترابيةً مَهينةً تُناسب الأرواحَ السُّفلية. فالملَكُ أبٌ لروحه، والترابُ أبٌ لبدنه وجسمه.

الوجه الحادي عشر: حديثُ أبي هريرة الذي في «صحيح البخاري» وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الأرواح جنودٌ مُجنَّدةٌ، [٩٥ أ] فما تعارفَ منها ائتلفَ، وما تَناكرَ منها اختلفَ» (٥). والجنود المجنَّدة لا تكون إلا مخلوقة.


(١) (ط): «أجسادها». (ن): «أجسادها التي».
(٢) (أ، غ): «وإذا».
(٣) في (ق، غ): «بنفخةٍ قديمةٍ» كذا مضبوطتين. وهو خطأ.
(٤) (ب، ج): «تكوّن».
(٥) سبق تخريجه في (ص ٢٧٧).