للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فما تقولون (١) في قوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ} [الحجر: ٢٩]، فأضاف النَّفخ إلى نفسه؟ وهذا يقتضي المباشرةَ منه تعالى كما في قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]. ولهذا قرَنَ (٢) بينهما في الذكر في الحديث الصحيح في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فيأتون آدمَ، فيقولون: أنت آدم أبو البشر، خلقَكَ الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجَدَ لك ملائكتَه، وعلَّمك أسماءَ كلِّ شيء» (٣)، فذكروا لآدم أربعَ خصائص (٤) اختصَّ بها عن غيره، ولو كانت الروح التي فيه إنما هي من نفخة الملك لم يكن له خَصيصةٌ (٥) بذلك، وكان بمنزلة المسيح، بل وسائر أولاده، فإنَّ الروح حصلتْ فيهم من نفخة الملك. وقد قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: ٢٩] فهو الذي سوَّاه بيده، وهو الذي نفخ فيه من روحه؟

قيل: هذا الموضع هو الذي أوجَبَ لهذه الطائفة أن قالت بِقدَم الروح، وتوقَّف فيها آخرون، ولم يفهموا مرادَ القرآن. فأما الروح المضافة إلى الربِّ، فهي روحٌ مخلوقة أضافها إلى نفسه إضافةَ تخصيص وتشريف، كما بيَّناه. وأما النفخ فقد قال تعالى في مريم: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا


(١) (ط): «تقول».
(٢) ما عدا الأصل و (غ) وطرّة (ط): «فرق»، تصحيف.
(٣) وهو حديث الشفاعة. أخرجه البخاري (٣٣٤٠) ومسلم (١٩٤) من حديث أبي هريرة.
(٤) (ط): «خصال».
(٥) (ط): «تخصيص».