للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحوال مختلفة؛ لأن (١) الصَّلصال غيرُ الحمأة، والحمأة غيرُ التراب، إلا أنَّ مرجعَها كلِّها في الأصل (٢) إلى جوهر واحد، وهو التراب، ومن التراب تدرَّجت هذه الأحوال.

فقوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهمْ} [الأعراف: ١٧٢] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله مسح ظهرَ آدم، فاستخرج منه ذريته» معنًى واحدٌ (٣) في الأصل، إلا أنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مسح ظهرَ آدم» زيادةٌ في الخبر عن الله عزَّ وجلَّ. ومَسْحُه (٤) عزَّ وجلَّ ظهرَ آدم واستخراجُ ذريته منه (٥) مسحٌ لظهور ذريته واستخراجُ ذرياتهم من ظهورهم، كما ذكر تعالى؛ لأنَّا قد علمنا أنَّ جميع ذرية آدم لم يكونوا من صلبه، لكن لما كان الطبَق الأول من صُلْبه، ثم الثاني من صلب الأول، ثم الثالث من صلب الثاني، جاز أن يُنسَب ذلك كلُّه إلى ظهر آدم، لأنهم فرعُه، وهو أصلُهم. وكما جاز أن يكون ما ذكر الله عزَّ وجلَّ أنه استخرجه من ظهور ذرية آدم من ظهر آدم، جاز أن يكون ما ذكر - صلى الله عليه وسلم - أنه استخرجه من ظهر آدم من ظهور ذريته؛ إذ الأصلُ والفرع شيءٌ واحد.

وفيه أيضًا أنه عزَّ وجلَّ لما أضاف الذريةَ إلى آدم في الخبر احتمل أن يكون الخبر عن الذرية، وعن آدم؛ كما قال عزَّ وجلَّ: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: ٤]. فالخبر في الظاهر عن الأعناق، والنعتُ للأسماء


(١) (أ، ق، غ): «أن».
(٢) «في الأصل» ساقط من (ن).
(٣) في الأصل: «واحدًا»، وكذا في (ق، ن)!
(٤) (ط): «ومسح الله».
(٥) لم يرد «منه» في الأصل.