للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠] يعني: من شأن إبليس.

فبعث جبريلَ إلى الأرض ليأتيه بطينٍ منها، فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تقبض (١) مني، فرجَعَ، ولم يأخذ، وقال: ربِّ إنها عاذت بك، فأعذتُها. فبعث ميكائيل، فعاذت منه، فأعاذها. فبعث ملَكَ الموت، فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع، ولم أنفِّذ أمره. فأخذ من وجه الأرض، وخَلَط. فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين. فصعِد به، فبلَّ الترابَ (٢) حتى عاد طينًا لازبًا. واللازب: هو الذي يلزَقُ (٣) بعضُه ببعض.

ثم قال للملائكة: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: ٧١ - ٧٢]. فخلقه الله بيده لكيلا يتكبَّر إبليسُ عنه، ليقول له: تتكبَّرُ عما عملتُ بيدي، ولم أتكبَّر أنا عنه. فخلَقه بشرًا، فكان جسدًا من طين أربعين سنة، فمرَّت به الملائكة، ففزعوا منه لما رأوه. وكان أشدَّهم منه فزَعًا إبليسُ، فكان يمرُّ به، فيضربه، فيصوِّتُ [١١٣ أ] الجسدُ كما يصوِّت الفَخَّارُ، تكون له صلصلة، فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصَالٍ


(١) (ب، ج): «تنقص». وكذا في تفسير الطبري (١/ ٤٥٩) وتاريخه (١/ ٩٠).
(٢) ما عدا (ب، ج): «قِبَلَ الربّ» كذا مضبوطًا في (ط، ق، ن، غ). وفي النسخ المطبوعة زيد: «عزَّ وجلَّ»! والمثبت موافق لما في تفسير الطبري وتاريخه، وهو مقتضى السياق.
(٣) (ب، ج): «يلتزق»، وكذا عند الطبري.