للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منها ما يُدرَك بجميع الحواس، ومنها ما يُدرَك بأكثرها، ومنها ما يُدرَك بحاستين منها أو بواحدة. والنفسُ بريئة من ذلك كله.

وهذه الحجَّةُ التي احتجَّ بها جَهْم على طائفة من الملاحدة حين (١) أنكروا الخالق سبحانه، وقالوا: لو كان موجودًا لوجب أن يُدرَك بحاسَّة من الحواس؛ فعارضهم بالنفس. وإنَّما تتمُّ المعارضة إذا لم تكن جسمًا (٢)، وإلا فلو كانت جسمًا لجاز إدراكُها ببعض الحواس.

التاسع عشر: لو كانت جسمًا لكانت ذاتَ طول وعرض وعمق وسطح وشكل، وهذه المقادير والأبعاد لا تقوم إلا بمادَّةٍ ومحلٍّ. فإن كانت مادَّتُها ومحَلُّها نفسًا لزم اجتماع نفسَين. وإن كانت (٣) غيرَ نفس كانت النفس مركَّبةً من بدن وصورة، وهي في جسدٍ مركَّبٍ من بدن وصورة، فيكون الإنسان إنسانين.

العشرون: أنَّ من خاصة الجسم أن يقبل التجزِّي (٤)، والجزء الصغير منه ليس كالكبير، ولو قبلت التجزِّي فكلُّ جزء منها إن كان نفسًا لزِم أن يكون للإنسان نفوس كثيرة، لا نفس واحدة. وإن لم يكن نفسًا لم يكن


(١) ما عدا (غ، ز): «حتى»، تصحيف. وقد حذفها ناسخ (ن).
(٢) في النسخ المطبوعة: «وأنَّى تتمُّ المعارضة إذا كانت جسمًا» خلافًا لجميع النسخ الخطية التي بين أيدينا. وقد تحرّف «وإنما تتم» في الأصل إلى «واناهم» دون نقط النون، وفي (ب) إلى «واراهم». فلعل بعضهم قرأها: «وأنى تتم»، ولكن ليس في شيء من النسخ: «إذا كانت جسمًا».
(٣) (أ، ز، ن، غ): «كان».
(٤) كذا في جميع النسخ موضع التجزُّؤ.