للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا: فإنَّ قوةَ التخيُّل والتفكُّر والتذكُّر تقوى على استحضار المتخيَّلات والمتذكَّرات إلى غير نهايةٍ مع أنها عندكم قوة جسمانية. فإن قلتم: لا نسلِّم أنها تقوى على ما لا يتناهى. قيل لكم: وهذا (١) يقول خصومُكم في القوة العاقلة سواء.

وأما كذبُ المقدمة الثانية: فإن الإدراك ليس بفعلٍ، فلا يلزم من تناهي فعلِها تناهي إدراكها. وقد صرَّحتم بأن الجوهر العقلي قابلٌ لصورة المعلوم، لا أنه فاعل لها، والشيء الواحدُ لا يكون فاعلًا وقابلًا عندكم. وقد صرَّحتم بأن الأجسام يمتنع عليها أفعالٌ لا نهاية لها، ولا يمتنع عليها قبولات (٢) وانفعالاتٌ لا تتناهى.

وقد أورد ابن سينا على هذه الشبهة سؤالًا، فقال: أليس النفسُ الفلكيةُ المباشِرةُ لتحريك الفلك قوة جسمانية، مع أن الحركات الفلكية غيرُ متناهية؟ وأجاب عنه بأنها وإن كانت قوةً جسمانيةً إلا أنها تستمدُّ الكمال من العقل المفارق (٣). فلهذا السبب قدرَتْ على أفعال غير متناهية.

فنقول (٤): فإذا كان الأمر عندك كذلك، فلمَ لا يجوز أن يقال: النفس (٥) الناطقة تستمدُّ الكمال والقوة من فاطرها ومنشئها الذي له القوة جميعًا؟ فلا جَرَمَ تقوى مع كونها جسمانيةً على ما لا يتناهى. فإذا قلت بذلك وافقت


(١) في النسخ المطبوعة: «هكذا».
(٢) هذا في (ب، ج). وفي غيرهما: «جهولات». وفي النسخ المطبوعة: «مجهولات».
(٣) «المفارق» ساقط من (ز، ن).
(٤) ما عدا الأصل، (ق، غ): «فنقول له».
(٥) (ط، ج): «إن النفس».