للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتابعة وتحكيم السُّنَّة وعدم الالتفات إلى آراء الرجال، فتقوم الحربُ بين هاتين النفسين، والمنصورُ مَن نصره الله.

وإذا جاءت تلك بالإخلاص والصدق والتوكل والإنابة والمراقبة، جاءت هذه بأضدادها، وأخرجتها في عدة قوالب، وتُقسِم بالله ما مرادُها إلا الإحسان والتوفيق. والله يعلم أنها كاذبة، وما مرادُها إلا مجردُ حظِّها واتباع هواها، والتفلُّت (١) من سجن المتابعةِ [١٥٠ ب] والتحكيمِ المحضِ للسنَّة إلى فضاء إرادتها وشهوتها وحظوظها. ولَعمرُ الله ما تخلَّصتْ إلا من فضاءِ المتابعة والتسليم إلى سجن الهوى والإرادة وضيقه (٢) وظلمته ووحشته. فهي (٣) مسجونة فيه في هذا العالم، وفي البرزخ في أضيقَ منه، ويومَ المعاد الثاني في أضيقَ منهما.

ومن أعجبِ أمرها أن تسحر العقلَ والقلبَ، فتأتي إلى أشرف الأشياء وأفضلها وأجلِّها، فتخرجُه في صورة مذمومة ــ وأكثرُ الخلق صبيانُ العقول، أطفال الأحلام، لم يصلوا إلى حدِّ الفطام الأولِ عن (٤) العوائد والمألوفات، فضلًا عن البلوغ الذي يُميِّز به العاقلُ البالغُ بين خير الخيرَين فيؤثِرُه، وشرِّ الشرين فيجتنبُه ــ فتُريه صورةَ تجريد التوحيد، التي هي أبهى من صورة الشمس والقمر، في صورة التنقُّص المذموم، وهَضْم العظماء منازلَهم، وحطِّهم منها إلى مرتبة العبودية المحضة والمسكنة والذلِّ والفقر المحض


(١) (ب، ن، ز): «التقلب». (ط): «النقلة» وكلاهما تصحيف.
(٢) الأصل وحده: «ضيقته».
(٣) في الأصل: «وهي».
(٤) في الأصل: «عند»، تحريف.