للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس. فمَنْ (١) أخلصَ أعماله ولم يعمل لأحد شيئًا تجنبهم وتجنَّبوه، وأبغضَهم وأبغضوه، وعاداهم وعادوه، وسار على جادَّةٍ وهم على جادَّة؛ فينفِر من ذلك أشدَّ النِّفار. وغايته أن يُخلِصَ في القدر اليسير من أعماله التي لا تتعلَّق بهم، وسائرُ أعماله لغير الله.

فصل

وتُريه صورةَ الصدقِ مع الله وجهادِ مَن خرج عن دينِه وأمرِه في قالَب الانتصاب لعداوة الخلق وأذاهم وحربهم، وأنه يُعرِّض نفسَه من البلاء لما لا يطيق، وأنه يصير غرضًا لسهام الطاعنين، وأمثال ذلك من الشُّبَه التي تُقيمها (٢) النفس السحَّارة والخيالات التي تُخيِّلها. وتُريه حقيقةَ الجهاد في صورةٍ تُقتَل فيها النفسُ وتُنكَح المرأة، ويصير الأولادُ يتامى، ويُقسَم المال.

وتُريه حقيقةَ الزكاة والصدقة في صورةِ مُفارقة المال ونقصه وخُلوِّ اليد منه، واحتياجه إلى الناس، ومساواته للفقير وعَودِه بمنزلته.

وتُريه حقيقةَ إثباتِ صفاتِ الكمال لله في صورة التشبيه والتمثيل، فينفِرُ من التصديق بها ويُنفِّرُ غيرَه. وتُريه حقيقةَ التعطيل والإلحاد فيها في صورة التنزيه والتعظيم.

وأعجبُ من ذلك أنها تُضاهي ما يحبِّه الله ورسوله من الصفات والأخلاق والأفعال بما يبغضه منها، وتَلبِسُ على العبد أحدَ الأمرين بالآخر. ولا يُخَلِّص هذا (٣) من هذا إلا أربابُ البصائر، فإنَّ الأفعال تصدر عن


(١) ما عدا (أ، ن، ز): «فمتى».
(٢) في الأصل: «لا تقيمها»، سهو.
(٣) حذفوا «هذا» في النسخ المطبوعة.