للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي تُنبِتُ اللحم، ثم يذُرُّ عليها بعد نبات اللحم ما ينشف رطوبتها، ثم يشدُّ عليها الرِّباط، ولم يزل يتابع ذلك حتى صلحتْ. والمداهن قال لصاحبها: لا بأس عليك منها، وهذه لا شيء، فاسُتْرها عن العيون بخِرقة، ثم الهُ عنها. فلم تزل مادَّتُها تقوَى وتستحكم حتى عَظُم فسادها.

وهذا المثل أيضًا مطابق كلَّ المطابقة لحال النفس الأمَّارة مع المطمئنة فتأمله. فإذا كانت هذه حالَ قرحةٍ بقدر الحِمَّصة، فكيف بسُقْمٍ هاج من نفس أمَّارة بالسوء، هي معدنُ الشهوات ومأوى كلِّ فسق (١) وقد قارنها شيطانٌ في غاية المكر والخِداع، يَعِدها ويُمنِّيها، ويسحرها بجميع أنواع السِّحر حتى يُخيِّل إليها النافعَ ضارًّا، والضارَّ نافعًا، والحسنَ قبيحًا، والقبيحَ جميلًا؟ وهذا لعمرو الله من أعظمِ أنواعِ السحر! ولهذا يقول سبحانه: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: ٨٩].

والذي (٢) نسبوا إليه الرسلَ من كونهم مسحورين هو الذي أصابهم بعينه، وهم أهلُه، لا رسل [١٥٢ ب] الله صلوات الله وسلامه عليهم، كما أنهم نسبوهم إلى الضَّلال والفساد في الأرض والجنون والسَّفَه. وما استعاذت الأنبياءُ والرسل وأمروا الأممَ بالاستعاذة من شرِّ النفس الأمَّارة وصاحبها وقرينها الشيطان إلا لأنها أصلُ كل شرٍّ وقاعدتُه ومنبعه، وهما متساعدان عليه متعاونان.

رضيعَي لِبانٍ ثديَ أمٍّ تقاسما ... بأسحمَ داجٍ عوضُ لا نتفرَّقُ (٣)


(١) ما عدا (أ، ق، غ): «سوء».
(٢) ما عدا (ط): «والذين»، تحريف.
(٣) للأعشى في ديوانه (٢/ ٧٥).