للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن معرفته بنفسهِ ونقائصها وعيوبِ عمله وآفاتها (١). فيتولَّد من بين ذلك كلِّه خُلقٌ هو التواضع، وهو انكسارُ القلب لله، وخفضُ جناح الذلِّ والرحمة لعباده. فلا يرى له على أحد فضلًا، ولا يرى له عند أحد حقًّا، بل يرى الفضلَ للناس عليه والحقوقَ لهم قِبله. وهذا خُلقٌ إنما يُعطيه الله عزَّ وجلَّ مَن يُحبه ويُكرمه ويُقرِّبه.

وأما المهانة، فهي الدَّناءة والخِسَّة، وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها، كتواضعِ السُفَّل في نيل شهواتهم، وتواضعِ المفعول به للفاعل، وتواضعِ طالب كلِّ حظٍّ لمن يرجو نيلَ حظِّه منه. فهذا كلُّه ضَعةٌ، لا تواضع، [١٥٤ أ] والله سبحانه يحبُّ التواضع، ويبغضُ الضَّعة والمهانة.

وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: «وأوحي إليَّ أن تَواضَعوا حتى لا يفخرَ أحدٌ على أحد، ولا يَبغيَ أحدٌ على أحد» (٢).

والتواضع المحمود على نوعين:

أحدهما: تواضعُ العبد عند أمر الله امتثالًا، وعند نَهْيه اجتنابًا، فإن النفسَ لطلب (٣) الراحة تتلكأ في أمره، فيبدو منها نوعُ إباء وشِراد هربًا من العبودية، وتثِبُ (٤) عند نَهْيه طلبًا للظَّفر بما منع منه، فإذا وضَع العبدُ نفسَه لأمر الله


(١) كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: «وآفاته» يعني آفات العمل.
(٢) أخرجه مسلم (٢٨٦٥) من حديث عياض بن حمار المجاشعي.
(٣) (ب): «في طلب». (ج): «تطلب».
(٤) الأصل غير منقوط. والمثبت قراءة (غ). وكتب ناسخها فوقها «ظ». وفي (ز) والنسخ المطبوعة: «تثبت». وفي غيرها: «ثبت» أو «يثبت».