للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حبسُ النفس عن الجزَع والهلَع [١٥٩ أ] والتشكِّي، فيحبس النفسَ عن التسخُّط، واللسانَ عن الشكوى، والجوارحَ عما لا ينبغي له (١) فعله. وهو ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية.

وأما القسوةُ، فيُبْسٌ في القلب يمنعه من الانفعال، وغِلظةٌ تمنعه من التأثر بالنوازل. فلا يتأثَّر بها (٢) لغلظته وقساوته لا لصبره واحتماله.

وتحقيقُ هذا أن القلوب ثلاثة (٣): قلب قاسٍ غليظ بمنزلة اليد اليابسة، وقلب مائع رقيق جدًّا. فالأول لا ينفعل لخيرٍ بمنزلة الحجر، والثاني بمنزلة الماء، وكلاهما ناقصٌ.

وأصحُّ القلوب: القلبُ الرقيق الصافي الصلب. فهو يرى الحقَّ من الباطل بصفائه، ويقبله ويؤثره برِقَّته، ويحفظه ويحارب عدوَّه بصلابته. وفي أثرٍ: القلوبُ آنيةُ الله في أرضه، فأحبُّها إليه أرقُّها وأصلَبها وأصفاها (٤). وهذا القلبُ الزجاجي، فإن الزجاجة جمعت الأوصافَ الثلاثة.

وأبغضُ القلوب إلى الله: القلب القاسي. قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: ٢٢]. وقال: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: ٧٤].


(١) «له» من الأصل وحده.
(٢) في الأصل: «به». وكذا في (غ). والمثبت من (ب، ط، ج). وهو ساقط من غيرها.
(٣) قارن بشفاء العليل (١٠٥، ١٩٢)، والوابل الصيب (١٢١ ــ ١٢٢).
(٤) أخرجه الإمام أحمد في الزهد (٢١٠١) عن خالد بن معدان، والخرائطي في اعتلال القلوب (٩) عن ثور بن يزيد. وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (٨٤٠) من حديث أبي عنبة الخولاني مرفوعًا.