للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يترك عباده سدًى هملًا، وأن يكون خلقهم عبثًا، وأن يكون خلقُ السماوات والأرض وما بينهما باطلًا، لا لثوابٍ ولا عقاب، ولا أمرٍ ولا نهي؛ وأن يُسوِّي بين أوليائه وأعدائه، وبين الأبرار والفجار، وبين الكفار والمؤمنين، وأن يكون في ملكه ما لا يشاء، وأن يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه، وأن يكون لغيره معه من الأمر شيء، وأن يعرض له غفلة أو سهو أو نسيان، وأن يُخلِفَ وعدَه، أو تُبدَّلَ كلماتُه، أو يُضافَ الشر إليه اسمًا أو وصفًا أو فعلًا، بل أسماؤه كلُّها حسنى، وصفاتُه كلُّها كمال، وأفعالُه كلُّها خير وحكمة ومصلحة. فهذا تنزيه الرسل لربِّهم.

وأما المعطِّلون (١)، فنزَّهوه عما وصف به نفسَه من الكمال. فنزَّهوه عن أن يتكلَّم أو يُكلِّم أحدًا. ونزَّهوه عن استوائه على عرشه، وأن تُرفع إليه الأيدي، وأن يصعد إليه الكلمُ الطيِّبُ، وأن ينزل من عنده شيءٌ، أو تعرج إليه الملائكة والرُّوح، وأن يكون فوق عباده وفوق جميع مخلوقاته عاليًا عليها.

ونزَّهوه أن يقبض السماوات بيده، والأرض باليد الأخرى، وأن يُمسك السماوات على إصبَعٍ، والأرض على إصبع، والجبال على إصبَع، والشجر على [١٧٤ ب] إصبَع.

ونزَّهوه أن يكون له وجهٌ، وأن يراه المؤمنون بأبصارهم في الجنة، وأن يكلِّمَهم ويسلِّمَ عليهم، ويتجلى لهم ضاحكًا، وأن ينزل كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا فيقول: من يستغفرني فأغفِرَ له؟ من يسألني فأعطيَه (٢)؟ فلا نزول


(١) (ب، ج): «المعطلة».
(٢) كما جاء في حديث أبي هريرة في صحيح البخاري (١١٤٥)، وصحيح مسلم (٧٥٨).