المشركين، فَقَدْ ذكره اللهُ تعالى في غالبِ سورِ القرآنِ وبيَّنَ أدِلَّتَه بطرق عديدة، وحاجَّ المشركين في تركِ عبادتِه وحدَه واتخاذِ الأندادِ والأصنامِ من دونه، وهكذا كان شأن رسولِنا -صلى الله عليه وسلم- وصحابتِه الكرامِ -رضي الله عنهم- في دعوتِهم إلى اللهِ -عز وجل-، ظَهرَ ذلك في حِرْصِه -صلى الله عليه وسلم- وسدِّه لأبوابِ الشركِ بكلِّ الطرقِ والوسائِل، وكذا صحابته من بعده فقويَتِ الأُمّةُ في عَقِيدَتِها، وصارَت صلتُها عظيمةً بربِّها -عز وجل-، وَرَسَخَتْ عَقِيدَةُ التوحيدِ في القلوبِ، وسارَتِ الأمّةُ على هذا التوحيدِ رَدْحًا من الزمن ثم بدأ الشركُ في هذا الباب وغيره يَدُبُّ إليهم من جديدٍ، ويَسْرِي فِي كثيرٍ منهم سَرَيَان الرُّوحِ في البدنِ، وإلى اليوم تعاني الأمة من الانحرافِ العظيم، والضلالِ الواضحِ في أصلِ دعوةِ الأنبياءِ والمرسلين، فانتشرَ بَيْنَهم الشِّرْكُ بكل أشْكَالِهِ وصوَرِهِ، وتَعَلَّقَ كثير من الأمّةِ بغيرِ اللهِ تعالى، وصرفوا صنوفًا من العباداتِ والتَّقَرُّباتِ إلى البشرِ دونَ اللهِ تعالى، فأُصِيبَتِ الأُمّةُ بسببِ ذلك بالضعفِ والذلةِ، وَتَكَالُبِ الأَعْداءِ عليها، وأخذوا منها كُلَّ مأخَذٍ.
ولذا كان الاهتمامُ بهذا النوعِ العظيمِ من التوحيد (١) في كلام أهل العلم في مُقَدِّمَةِ المَهَام؛ تقريرًا واستدلالًا، وتأصيلًا وتقعيدًا، وإبطالًا لما يُضادُه، ويُناقِضُه ويُعارضُه من شُبَهِ أَهْلِ الضَّلالِ والانحرافِ في هذا الباب.
ولقد قُمْتُ بتوفيقٍ مِنَ اللهِ - عز وجل - في مرحلةِ الماجستير بجمع المصطلحات والألفاظِ المُتَعَلِّقَةِ بتوحيدِ الألوهيةِ وَمِنْ ثَمَّ دِرَاسَتُها وذِكْرُ أقْوَالِ العلماءِ في بيانِها، فَظَهَرَ لي من خلاله أهمِّيَةُ التَرْكِيزِ على القواعدِ والضوابطِ التي تَضبِطُ هذا البابَ وَتُبِيِّنُ الأُسُسَ التي يُبْنَى عليها فَقَاعِدَةُ الشيءِ هي أصلُهُ وأَسَاسُهُ.
(١) لا يعني هذا إهمال بقية أنواع التوحيد؛ فإنها هي أصله وأساسه، ولا يستقيم عمود توحيد العبادة بدون توحيد الربوبية أو الأسماء والصفات، كما سيأتي مفصلًا تقرير ذلك في قاعدة مستقلة. [انظر: (ص ٤٤٠، ٦٦٠)، من هذه الرسالة].