للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُعَظَّم الله، فيستحق جل جلاله من عباده أن يعظموه بقلوبهم، وألسنتهم، وجوارحهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته، ومحبته، والذل له، والانكسار له، والخضوع لكبريائه، والخوف منه، وإعمال اللسان بالثناء عليه، وقيام الجوارح بشكره وعبوديته، ومن تعظيمه أن يتقى حق تقاته؛ فيطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، ومن تعظيمه تعظيم ما حرمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢)} [الحج: ٣٢]، و {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: ٣٠]، ومن تعظيمه أن لا يُعْتَرض على شيء مما خلقه أو شرعه " (١).

ثانيًا: تعظيم الشعائر يتضمن أمرين: تعظيم هو من عمل القلب، وهو الأصل، وتعظيم تابع لذلك، وهو الظاهر على الجوارح -من إحسان العمل وتكميله وإتقانه- وهذا فرع عن تعظيم القلب، وبذلك يظهر لنا أن أعمال القلوب هي الأصل لأعمال الجوارح، فإذا ثبت في القلب التعظيم، تبعته الجوارح في ذلك ولا بد، وهذا أمر مطرد، لكنه قد لا ينعكس؛ إذ يمكن أن يظهر على الجوارح من الأفعال الدالة على التعظيم والتوقير ما يكون القلب خاليًا منه (٢).

ويقول الإمام ابن تيمية: "فالمقصود تقوى القلوب لله، وهو عبادتها له وحده دون ما سواه، بغاية العبودية له، والعبودية فيها: غاية المحبة، وغاية الذل، والإخلاص، وهذه ملة إبراهيم الخليل، وهذا كله مما يبين


(١) تفسير أسماء الله الحسنى، للشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع ودراسة وتحقيق: عبيد بن علي العبيد، ضمن مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية (عدد: ١١٢)، (ص ٢١٧ - ٢١٨).
(٢) ولذا قرَّر أهل العلم -رحمهم الله- استحالة انتفاء انقياد الجوارح بالأعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب. ويقول الشيخ حافظ الحكمي: "ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح بالأعمال الظاهرة مع ثبوت علم القلب". [معارج القبول (٢/ ٥٩٤)].