للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشتهرًا بين الناس، تَعَبَّدَ الله به عباده، وأمرهم بتعظيمه، وعليه فلا مجال للآراء والأذواق في اختيار الأمكنة والأزمنة، وتخصيصها بالعبادة، وإشهار ذلك، وجعلها من شعائر الله، بل مرجع ذلك إلى الشرع الحكيم، فما جعله الله من الشعائر، وأشهره وأظهره، وأذن بتعظيمه كان تعظيمه من تعظيم شعائر الله.

يقول الشيخ حافظ الحكمي: " (كمن يَلُذ ببقعة): أي: يعوذ بها، ويختلف إليها، ويتبرك بها، ولو بعبادة الله تعالى عندها، وتقدم تقييد ذلك بما لم يأذن به الله، فيخرج بهذا القيد ما أذن الله تعالى بتعظيمه؛ كتعظيم بيته الحرام بالحج إليه، وتعظيم شعائر الله من المشاعر، والمواقف، وغيرها، فإن ذلك تعظيم لله عز وجل الذي أمر بذلك لا لتلك البقعة ذاتها (١) ... وكذلك التعظيم أيضًا نفسه إنما أردنا منع تعظيم لم يأذن الله به، لا المأذون فيه" (٢).

سادسًا: إن تعظيم شعائر الله من الأماكن، والأزمان، والأشخاص، والأعلام هو تعظيم لله، وتعظيم لذات هذه الشعائر؛ وذلك لما تميّزت به عن غيرها، نعم الباعث على هذا التعظيم هو اصطفاء الله تعالى لها دون غيرها، فهو المخصص لها، والآمر عباده بتعظيمها، فحقيقة التعظيم راجعة إليه أصلًا ومآلًا، ولذات الشعائر نصيب من التعظيم تبعًا.

لكن يبقى أن يقال -كما سبق تقريره-: إن الكيفية التي تُعَظَّم بها شعائر الله تعالى، وأعلام دينه، يجب أن تكون مطابقة وموافقة للطريقة التي كان عليها -أعظم البشرية تعظيمًا لشعائر ربه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم صحابته الكرام الذين ساروا على دربه، ورضي الله عنهم بذلك.


(١) معارج القبول (٢/ ٥١٣).
(٢) الظاهر أن التعظيم يتعلق بذات الشعيرة أيضًا، كما سيأتي توضيح ذلك.