للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: لا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم") (١).

فإن هذا الحديث قد دلَّ على أن الذبح بموضع كان فيه وثن يعبد، أو فيه عيد من أعياد الجاهلية معصية لله تعالى لا يجوز بحال (٢)؛ لكن المقصود المنع من ذلك مع بقاء معالم ذاك المكان، وكونه معلمًا من معالم الكفر، وشعيرة من شَعائِر الشرك، أما إذا تحوَّلت معالمه، وصار من شَعَائِر الله تعالى، وأُزيلت عنه معالم الشرك، وشعائر الكفر زال عنه المنع، وتغير الحكم، وأبيحت فيه سائر العبادات المشروعة في مثله، فإذا كان الموضع فيه صنم يعبد، أو فيه عيد من أعياد أهل الشرك، ثم أزيلت وبني في مكانه مسجد للمسلمين، جازت فيه الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، والوفاء بالنذور الجائزة في مثله.

ثامنًا: كل ما كان من شَعَائِر الله المكانية أو الزمانية فلا بد فيه من عبادة الله تعالى ترتبط به، ولا تنفك عنه، ولا يكمل تعظيمها بدون القيام بهذه العبادة، إضافة إلى التعظيم القلبي الذي هو أصل تعظيم جميع الشعائر، وذلك يختلف باختلاف درجة تلك العبادة من حيث الوجوب، أو الاستحباب.

يقول الإمام ابن تيمية: "وكل ما كان من شَعَائِر الله فلا بد من نسك واجب بهما، كسائر الشعائر؛ من عرفة، ومزدلفة، ومنى، والبيت؛


(١) أخرجه أبو داود في سننه (٣/ ٢٣٨)، برقم (٣٣١٣)، وغيره، وصَحَّحَ الحافظ ابن حجر إسناده، وكذا ابن الملقن، والإمام النووي، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أصل هذا الحديث في "الصحيحين"، وهذا الإسناد على شرط الصحيحين، وإسناده كلهم ثقات مشاهير، وهو متصل بلا عنعنة". انظر: [تلخيص الحبير (٤/ ١٨٠)، والمجموع (٨/ ٣٥٨)، وخلاصة البدر المنير، لابن الملقن (٢/ ٤٢٢)، واقتضاء الصراط المستقيم (ص ١٨٦)، وتيسير العزيز الحميد (ص ١٥٦)].
(٢) وذلك لأن فعل العبادة في أماكن شَعَائِر الشرك يعتبر تعظيمًا لغير ما عظم الله، يشبه تعظيم الكفار للأصنام، فحرم كتعظيم الأصنام. [انظر: المغني، لابن قدامة (١٠/ ٧٩)].