للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يجوز إعانتهم عليها" (١).

ويقول ابن القيم فيما يحرم على أهل الذمة إظهاره: "لما كان الصليب من شَعَائِرِ الكفر الظاهرة كانوا ممنوعين من إظهاره" (٢).

ومما ينبغي أن يعلم أنه لا بأس من إقامة شَعَائِر الإسلام في نفس المكان الذي كانت فيه شعائر الكفر والشرك، وذلك بعد محوها وإزالتها، فيصبح المكان شعيرةً من شعائر الله، وبيتًا من بيوته، بعد أن كان معلمًا من معالم الكفر والشرك، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في بناء مسجده بعد أن أزال مقابر المشركين، وكما أمر ببناء مسجد الطائف في مكان اللات والعزى (٣).

يقول الإمام ابن القيم: "قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - إظهار شَعَائِرِ الإسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر، والعداوة لله ورسوله، وهذه كانت عادته - صلوات الله وسلامه عليه - أن يقيم شعار التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى مسجد الطائف موضع اللات والعزى " (٤).

ولا تعارض بين فعله هذا، وبين قوله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي قال له: (إني نذرت أن أنحر إبلًا ببوانة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد قالوا: لا، قال: "هل كان فيها عيد من أعيادهم"،


(١) اقتضاء الصراط (ص ٢٥٠).
(٢) أحكام أهل الذمة (٣/ ١٢٤٠).
(٣) يقول الحافظ ابن حجر: " إن الوعيد على ذلك يتناول من اتخذ قبورهم مساجد تعظيمًا ومغالاةً، كما صنع أهل الجاهلية، وجرهم ذلك إلى عبادتهم، ويتناول من اتخذ أمكنة قبورهم مساجد بأن تنبش، وترمى عظامهم، فهذا يختص بالأنبياء، ويلتحق بهم أتباعهم، وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم؛ إذ لا حرج في إهانتهم، ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم، فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله - صلى الله عليه وسلم - في نبش قبور المشركين، واتخاذ مسجده مكانها وبين لعنه - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ قبور الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق". [فتح الباري (١/ ٥٢٤)].
(٤) زاد المعاد (٢/ ٢٩٤ - ٢٩٥).