للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالخلق والإيجاد والاستقلال بالتأثير والتصرف ملك الله تعالى لا يشركه فيه مخلوق، مهما كانت مكانته، أو علت منزلته، فلا يطلب من مخلوق شيء على جهة أنه مستقل بالقدرة والتأثير؛ فإن الاستقلال من خصائص الرب سبحانه وتعالى (١).

بل إن الاستقلال والانفراد، وعدم الشركة هو من أخص خصائص الإلهية الحقة، لا انفكاك لها عنه، بل هو لازمها ومقتضاها الدائم الذي إن زال فسدت السموات والأرض ومن فيهن.

يقول الإمام ابن تيمية: "قول القائل عن مخلوق؛ إنه لا يضر ولا ينفع؛ تارة مريد به نفي الاستقلال بذلك على سبيل توحيد الربوبية، بمعنى أن ما يجري على يديه من الضر والنفع فالله هو خالقه، وهو الذي يجعله فاعلًا بمشيئته، أو يريد أنه لا ينفع ولا يضر إلا بمشيئة الله تعالى وقدرته، أو إرادته، كما قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢]، فهذا صحيح، فليس في المخلوقات بهذا الاعتبار شيء ينفع ويضر؛ إذ ليس في المخلوقات شيء ما يستقل بإحداث ضرر غيره ونفعه، ولا يفعل شيء إلا بإذن الله، كما ليس فيها من يعطي ويمنع بهذا الاعتبار، ولا ينبغي بهذا الاعتبار، كما من أسمائه تعالى: المعطي، المانع، الضار، النافع" (٢) (٣).

ويقول رحمه الله: "فإن الاستقلال ينافي الاشتراك، إذ المستقل لا شريك له، فالمجتمعان على أمر واحد لا يكون أحدهما مستقلًا به، وأن


(١) انظر: تلخيص كتاب الاستغاثة (١/ ٣٨٩)، وانظر: مجموع الفتاوى (٢/ ٣٤).
(٢) هذه الأسماء الثلاثة الأخيرة: المانع والنافع والضار الصحيح أنها ليست من أسماء أللّه تعالى المطلقة لعدم ثبوتها مطلقة في الكتاب والسنة.
(٣) تلخيص كتاب الاستغاثة (٢/ ٦٣٨)، ويقول ابن رجب: "وأما الاستعانة بالله عز وجل دون غيره من الخلق فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول، وهذا تحقيق معنى قول لا حول ولا قوة إلا بالله". [جامع العلوم والحكم (١٩٢)].