للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكم الثابت بعلتين، سواء قيل هو أحكام، أو حكم واحد مؤكد لا تستقل به إحداهما، بل كل منهما جزء من علته لا علة له" (١).

والمشركون كما نصت القاعدة لم يدعوا هذا في معبوداتهم، وإنما كانوا يقولون عنها: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: ١٨].

يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي: "وهم لم يقولوا: إن العالم له صانعان، بل جعلوا معه آلهة اتخذوهم شفعاء، وقالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" (٢).

ويقول الصنعاني: "قلت: ولذا قالوا في الأصنام: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣]، فلم يكونوا نافين له، بل أثبتوا معه غيره، فخوطبوا بكلمة التوحيد، والقصد نفي الألوهية عن غيره تعالى" (٣).


(١) مجموع الفتاوى (٢٠/ ١٧٤)، وانظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص ٤٦١)، ويقول الإمام ابن تيمية: "وهذا كله مما يبين عجز كل مخلوق عن الاستقلال بمفعول ما، فلا يكون شيء من المخلوقات ربًا لشيء من المخلوقات ربوبية مطلقة أصلًا؛ إذ رب الشيء من يربه مطلقًا من جميع جهاته، وليس هذا إلا لله رب العالمين، ولهذا منع في شريعتنا من إضافة الرب إلى المكلفين كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقل أحدكم: اسق ربك، أطعم ربك"، بخلاف إضافته إلى غير المكلفين، كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمالك بن عوف الجشمي: (أرب إبل أنت، أم رب شاء)، وقولهم: رب الثوب والدار؛ فإنه ليس في هذه الإضافة ما يقتضي عبادة هذه الأمور لغير الله، فإن هذا لا يمكن فيها؛ فإن الله فطرها على أمر لا يتغير، بخلاف المكلفين فإنهم يمكن أن يعبدوا غير الله كما عبد المشركون به من الجن والإنس غيره، فمنع من الإضافة في حقهم تحقيقًا للتوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، ولهذا لم يكن شيء يستلزم وجود المفعولات إلا مشيئة الله وحده، فما شاء الله كان وإن لم يشأ ذلك غيره، وما لم يشأ لا يكون ولو شاءه جميع الخلق، وإذا عرف أنه ليس في المخلوقات، ما هو مستقل بمفعول ولا معلول، فليس في المخلوقات ما هو رب لغيره أصلًا، بل فعل كل مخلوق له فيه شريك، وقد يكون له مانع، وهذا مما يدل على إثبات الصانع تعالى ووحدانيته". [درء التعارض (٩/ ٣٤١ - ٣٤٢)].
(٢) شرح العقيدة الطحاوية (ص ٨٧).
(٣) إجابة السائل شرح بغية الآمل للصنعاني (ص ٢٥٨).