للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الشيخ حافظ الحكمي: "وأشركوهم في عبادة الله، ولم يفردوا الله بالعبادة دون من سواه، مع أنهم لم يعبدوهم استقلالًا، بل زعموهم شفعاء لهم عند الله ليقربوهم إلى الله زلفى، ولكن اعتقدوا تلك الشفاعة والتقريب ملكًا للمخلوق، ويطلبونه منه، وأن له أن يشفع بدون إذن الله" (١).

ثانيًا: الذي أوقع المشركين في هذا الاعتقاد أنهم رأوا القصور في أنفسهم وأنهم ليسوا أهلًا لعبادة الله تعالى مباشرة بدون واسطة، وأنهم لا يستطيعون الوصول إليه سبحانه إلا عن طريق هذه المعبودات؛ لأنَّها قريبة من الله تعالى، ونفوسها طاهرة زكية، فهم يتقربون إليها وهي تقربهم إلى الله تعالى.

يقول الإمام ابن القيم في شأن مشركي الفلاسفة الذين عبدوا الكواكب: "ثم قال المشركون منهم: لا سبيل لنا إلى الوصول إلى جلاله إلا بالوسائط، فالواجب علينا أن نتقرب إليه بتوسطات الروحانيات القريبة منه، وهم الروحانيون المقربون المقدسون عن المواد الجسمانية، وعن القوى الجسدانية، بل قد جبلوا على الطهارة، فنحن نتقرَّب إليهم ونتقرب بهم إليه، فهم أربابنا، وآلهتنا، وشفعاؤنا عند رب الأرباب، وإله الآلهة، فما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فالواجب علينا أن نطهر نفوسنا عن الشهوات الطبيعية، ونهذب أخلاقنا من علائق القوى الغضبية، حتى تحصل المناسبة بيننا وبين الروحانيات، وتتصل أرواحنا بهم، فحينئذٍ نسأل حاجتنا منهم، ونعرض أحوالنا عليهم، ونصبو في جميع أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلى إلهنا ... " (٢).

ثالثًا: دلت القاعدة على أن شرك المشركين الأوائل كان بقصد القربة والشفاعة والتوصل بمعبوداتهم إلى الله تعالى، وذلك بخلاف


(١) معارج القبول (٢/ ٤٨٣).
(٢) إغاثة اللهفان (٢/ ٢٥٢).