كانت صورًا وتماثيل للكواكب، وكانوا يتخذون لها هياكل، وهي بيوت العبادات، لكل كوكب منها هيكل في أصنام تناسبه، فكانت عبادتهم للأصنام وتعظيمهم لها تعظيمًا منهم للكواكب التي وضعوا الأصنام عليها، وعبادة لها، وهذا أقوى السببين في الشرك الواقع في العالم، وهو الشرك بالنجوم، وتعظيمها، واعتقاد أنها أحياء ناطقة، ولها روحانيات تتنزل على عابديها، ومخاطبيها، فصوروا لها الصور الأرضية، ثم جعلوا عبادتها وتعظيمها ذريعة إلى عبادة تلك الكواكب، واستنزال روحانياتها، وكانت الشياطين تتنزل عليهم، وتخاطبهم، وتكلمهم، وتريهم من العجائب ما يدعوهم إلى بذل نفوسهم، وأولادهم، وأموالهم لتلك الأصنام، والتقرب إليها، وكان مبدأ هذا الشرك تعظيم الكواكب، وظن السُّعُود والنُّحُوس، وحصول الخير والشر في العالم منها، وهذا شرك خواص المشركين، وأرباب النظر منهم، وهو شرك قوم إبراهيم - عليه الصلاة والسلام-.
والسبب الثاني: عبادة القبور والإشراك بالأموات، وهو شرك قوم نوح -عليه الصلاة والسلام- وهو أول شرك طرق العالم، وفتنته أعم، وأهل الابتلاء به أكثر، وهم جمهور أهل الإشراك، قال تعالى عن قوم نوح: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣)} [نوح: ٢٣].
وهؤلاء هم أعداء نوح، كما أن المشركين بالنجوم أعداء إبراهيم، فنوح عاداه المشركون بالقبور، وإبراهيم عاداه المشركون بالنجوم، والطائفتان صوروا الأصنام على صور معبوديهم ثم عبدوها" (١).
(١) مفتاح دار السعادة، لابن القيم (٢/ ١٩٧)، وقال مبينًا تلاعب الشيطان بالمشركين: (تلاعب بكل قوم على قدر عقولهم؛ فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم، كما تقدم عن قوم نوح عليه السلام، ... وهذا السبب هو الغالب على عوام المشركين، وأما خواصهم فإنهم اتخذوها بزعمهم=