للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ؛ أمَّا وَدّ فَكَانَتْ لِكَلْبٍ بِدُومَةِ الجَنْدَل، وَأمَّا سُوَاعٌ فَكَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطيْفٍ بِالجَوْفِ عِنْدَ صَبا، وأمّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وأمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرِ لآل ذِي الكَلاع، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أنْ انْصبُوا إِلَى مَجَالِسهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنْصابًا، وَسَموها بأسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ) (١).

وروى ابن جرير في قوله تعالى: {وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣)} قال: "كانوا قومًا صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم" (٢).

فهذه الَاثار توضّح وتبيّن حقيقة الشرك وعبادة الأصنام في عهد نوح عليه السلام، وأنها وضعت في الأصل لتنوب مناب معبوداتهم من الأنبياء والصالحين، ولتقوم مقام قبورهم (٣).

ويقول الإمام ابن القيم: "وقال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قومًا صالحين في قوم نوح عليه السلام، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب: {وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ}، (٤/ ١٨٧٣)، برقم (٤٦٣٦).
(٢) تفسير الطبري (٢٩/ ٩٩).
(٣) ذكر الحافظ ابن حجر عن الواقدي قوله: (كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة طائر)، ثم قال معلقًا على قوله: "وهذا شاذ، والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر، وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها والله أعلم". [انظر: فتح الباري (٨/ ٦٦٩)].