للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين فتنة القبور وفتنة التماثيل" (١).

ويقول الحافظ ابن حجر: "وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام، ثم تبعهم من بعدهم على ذلك" (٢).

ثانيًا: إن عبادة الأصنام لأجل كونها أحجارًا أو أخشابًا مما يحكم العقل بفساده، فلا يعقل أن يصنع أحد صنمًا بيده، وينحته ويشكله ببنانه، من أحجار وأخشاب، ثم بعد فراغه منه مباشرة يعتقد أنه إلهه ومعبوده (٣).

يقول الإمام ابن القيم: "وإلا فمن المعلوم أن عاقلًا لا ينحت خشبة، أو حجرًا بيده ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده " (٤).

ويقول الشهرستاني موضحًا هذا الأمر: "وبالجملة وضع الأصنام حيث ما قدروه إنما هو على معبود غائب، حتى يكون الصنم المعمول على صورته وشكله وهيأته نائبًا منابه، وقائمًا مقامه، وإلا فنعلم قطعًا أن عاقلًا ما لا ينحت جسمًا بيده، ويصور صورة، ثم يعتقد أنه إلهه


(١) إغاثة اللهفان (١/ ١٨٤)، ودلَّ كلام ابن القيم على أن أصل عبادة الأصنام هو الغلو في الأموات وقبورهم، يقول الإمام ابن كثير: "وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتسوية القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام".
ويقول الإمام ابن قدامة: "وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها". [انظر: البداية والنهاية (١٠/ ٢٦٢)، والمغني لابن قدامة (٢/ ١٩٣)، وانظر: بدائع الفوائد (٣/ ٧٢٥)].
(٢) فتح الباري (٨/ ٦٦٩).
(٣) يقول الرازي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (٣)} [الزمر: ٣]: "والمراد بهذا الكذب: وصفهم بهذه الأصنام بأنها آلهة مستحقة للعبادة مع علمهم بأنها جمادات خسيسة، وهم نحتوها وتصرفوا فيها، والعلم الضروري حاصل بأن وصف هذه الأشياء بالإلهية كذب محض". [التفسير الكبير (٢٦/ ٢١١)].
(٤) إغاثة اللهفان (٢/ ٢٢٤).