للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخالقه، وإله الكل، وخالق الكل؛ إذ كان وجوده مسبوقًا بوجود صانعه، وشكله يحدث بصنعة ناحته (١)، لكن القوم لما عكفوا على التوجه إليها كان عكوفهم ذلك عبادة، وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها، وعن هذا كانوا يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" (٢).

ثالثًا: ومما يدل على أن المشركين لم يقصدوا عبادة ذات الأصنام، وإنما قصدوا عبادة من صورت الأصنام على صورهم: أنهم لم يكونوا يعبدون إلا ما صوروه ونحتوه من الأصنام والأوثان، فلم يعبدوا جميع الأحجار، ولا جميع الأشجار، بل كان الصنم يكون مع أحدهم مدة من الزمن يعبده فإذا رأى أحسن منه رمى الأول واستبدله بالثاني وهكذا، وهذا يدل على أن مقصودهم ليس هو ذات الصنم المصنوع من الحجر أو الخشب.

يقول الشيخ العمراني: "إن المشركين إنما كانوا يعبدون من الأخشاب والأحجار أوثانًا وأصنامًا؛ فالأوثان ما نحتوه على مثال ما ليس له صورة، والأصنام على مثال ما له صورة، دقوم إبراهيم عليه السلام إنما عبدوا تلك الأوثان والأصنام لأجل نحتهم وتصويرهم الذي نحتوه وصوروه، تعظيمًا للنحت والتصوير لا للأعيان، بدليل أنهم كانوا لا يعبدونها قبل ذلك، ولما كسرها إبراهيم عليه السلام وأزال تصويرها ونحتها بطلت عندهم أن تكون آلهة" (٣).


(١) في الأصل المطبوع: (إذ كان وجوده مسبوقًا بوجوده صانعه، وشكله يحدث بصنعته ناحته)، ولعل الصواب ما أثبته في المتن، والله أعلم.
(٢) الملل والنحل للشهرستاني (٢/ ٢٥٩ - ٢٦٠)، ويقول الرازي: "ويمكن أن يقال: إن العاقل لا يعبد الصنم من حيث إنه خشب أو حجر وإنما يعبدونه لاعتقادهم أنها تماثيل الكواكب أو تماثيل الأرواح السماوية أو تماثيل الأنبياء والصالحين الذين مضوا ويكون مقصودهم من عبادتها توجيه تلك العبادات إلى تلك الأشياء التي جعلوا هذه التماثيل صورًا لها". [التفسير الكبير (٢٦/ ٢١١)].
(٣) الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (١/ ١٨٩).