للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الراغب: "وأصل العقل الإمساك والاستمساك؛ كعقل البعير بالعقال، وعقل الدواء البطن، وعقلت المرأة شعرها، وعقل لسانه كفه، ومنه قيل للحصن: معقل وجمعه معاقل" (١).

وأما معناه في الاصطلاح (٢):

فقيل: هو العلم الضروري الذي يقع ابتداء، وقيل: هو ما أفاد العلم بموجباته، وقيل: بل هو قوة التمييز بين الحق والباطل، وقيل: هو العلم بخفيات الأمور التي لا يوصل إليها إلا بالاستدلال والنظر، وقيل: هو ضبط ما وصل إلى القلب، وإمساكه حتَّى لا يتفلت، وقيل: هو القوة المتهيئة لقبول العلم، وقيل: هو استعمال الطاعات والفضائل، وقيل: هو العلم الذي يعمل به صاحبه، وقيل: هو قدر من العلم يميز من قام به بين خير الخيرين وشر الشرين، ويصح منه بحصوله به الاستشهاد بالشاهد على الغائب، ويخرج به عن حد المجانين والمعتوهين، ويصح معه التكليف والخطاب.


(١) المفردات في غريب القرآن (ص ٣٤٢).
(٢) المقصود معناه عند من ينتسب إلى أهل الإسلام، وذلك بخلاف قول الفلاسفة فإنه عندهم جوهر قائم بنفسه، يفصل بين حقائق المعلومات، ولا شكَّ في بطلانه. يقول الإمام السمعاني: "وقد جعله المتقدمون جوهرة، وقالوا إنه جوهر لطيف يُفصَل به بين حقائق المعلومات، وهذا فاسد؛ لأنَّهُ لو كان جوهرًا لصح قيامه بذاته، فجاز أن يكون عقل بلا عاقل، كما جاز أن يكون جسم بغير عقل، فحين لم يتصور ذلك دل أنه ليس بجوهر". [انظر: قواطع الأدلة في الأصول (١/ ٢٧)]. ويقول الإمام ابن تيمية: "فإن العقل في لغة المسلمين عرض من الأعراض، قائم بغيره، وهو غريزة، أو علم، أو عمل بالعلم، ليس العقل في لغتهم جوهرًا قائمًا بنفسه، فيمتنع أن يكون أول المخلوقات عرضًا قائمًا بغيره؛ فإن العرض لا يقوم إلا بمحل، فيمتنع وجوده قبل وجود شيء من الأعيان، وأما أولئك المتفلسفة ففي اصطلاحهم أنه: جوهر قائم بنفسه، وليس هذا المعنى هو معنى العقل في لغة المسلمين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- خاطب المسلمين بلغة العرب، لا بلغة اليونان، فعلم أن المعنى الذي أراده المتفلسفة لم يقصده الرسول لو كان تكلم بهذا اللفظ، فكيف إذا لم يتكلم به". [مجموع الفتاوى ١٨/ ٣٣٨)].