للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَحْمَةً} فشفاهم من مرضهم، وآمنهم من خوفهم {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} ينقضون تلك الإنابة التي صدرت منهم، ويشركون به ... وكل هذا كفر بما آتاهم الله وَمَنَّ به عليهم، حيث أنجاهم، وأنقذهم من الشدة، وأزال عنهم المشقة، فهلا قابلوا هذه النعمة الجليلة بالشكر، والدوام على الإخلاص له في جميع الأحوال" (١).

ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (٦٩)} [الإسراء: ٦٧ - ٦٩]: "بَيَّنَ جل وعلا في هذه الآيات الكريمة أن الكفار إذا مسهم الضُّرُّ في البحر؛ أي: اشتدت عليهم الريح فغشيتهم أمواج البحر كأنَّها الجبال، وظنوا أنهم لا خلاص لهم من ذلك، ضل عنهم، أي: غاب عن أذهانهم وخواطرهم في ذلك الوقت كل ما كانوا يعبدون من دون الله جل وعلا، فلا يدعون في ذلك الوقت إلا الله جل وعلا وحده؛ لعلمهم أنه لا ينقذ من ذلك الكرب وغيره من الكروب إلا هو وحده جل وعلا، فأخلصوا العبادة والدعاء له وحده في ذلك الحين الذي أحاط بهم فيه هول البحر، فإذا نجَّاهم الله وفرَّج عنهم ووصلوا البر رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر" (٢).

خامسًا: ومما يدل على أن المشركين يخلصون الدعاء وقت الشدة ما رواه سعد بن أبي وقاص في قصة إسلام عكرمة، وفيه: (وأما عكرمة فركب البحر، فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا ها هنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من


(١) تفسير السعدي (ص ٦٤١ - ٦٤٢)، وانظر: (ص ٧٢٠).
(٢) أضواء البيان (٣/ ١٧١ - ١٧٢).