للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رابعًا: قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (٨)} [الزمر: ٨]، وقوله سبحانه: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣)} [الروم: ٣٣]، وقال عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (٦٧)} [الإسراء: ٦٧]، وغير ذلك من الآيات التي تقرر حال الإنسان عمومًا عند السراء والرخاء والنعمة وحال مشركي العرب خاصة.

يقول الإمام الطبري في تأويل الآية: "يقول تعالى ذكره وإذا مس هؤلاء المشركين الذين يجعلون مع الله إلهًا آخر ضرٌ فأصابتهم شدة، وجدوب، وقحوط دعوا ربهم، يقول: أخلصوا لربهم التوحيد، وأفردوه بالدعاء والتضرع إليه، واستغاثوا به منيبين إليه، تائبين إليه من شركهم وكفرهم، ثم إذا أذاقهم منه رحمة، يقول: ثم إذا كشف ربهم تعالى ذكره عنهم ذلك الضر وفرَّجه عنهم، وأصابهم برخاء، وخصب وسعة، إذا فريق منهم يقول: إذا جماعة منهم بربهم يشركون يقول: يعبدون معه الآلهة والأوثان" (١).

وقال الإمام السمعاني: "وقوله: {دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}؛ أي: منقلبين إليه بالدعاء؛ ومعناه: أنهم إذا وقعوا في الشدة تركوا دعاء الأصنام ودعوا الله وحده" (٢).

ويقول الشيخ السعدي: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ}: مرض أو خوف من هلاك ونحوه {دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}، ونسوا ما كانوا به يشركون في تلك الحال؛ لعلمهم أنه لا يكشف الضر إلا الله {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ


(١) تفسير الطبري (٢١/ ٤٣)، وانظر: تفسير القرطبي (١٤/ ٣٣).
(٢) تفسير السمعاني (٤/ ٢١٤).