للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعلقهم بالمعبود، وتنعقد قلوبهم عليه، ولا تكاد ألسنتهم تفتر من ذكره، وسؤاله، والاستغاثة به، والرغب فيما عنده، والالتجاء إليه، أما الأوائل فإذا نزلت بهم الكربة والشدة لا يعبدون إلا الله، وينسون معبوداتهم من دون الله تعالى.

يقول الشيخ سليمان بن سحمان: "وأما مشركو أهل هذه الأزمان فإنه لا يشتد شركهم إلا إذا وقعت بهم الشدائد، فإنهم ينسون الله، ولا يدعون إلا معبودهم، فشركهم دائم في الرخاء والشدة، وهذا أمر معلوم مشاهد، لا ينكره إلا مكابر في الحسيات، مباهت في الضروريات" (١).

ويقول الشيخ حافظ الحكمي: "وهؤلاء أعظم شركًا وأشد؛ لأنَهم يشركون في الرخاء وفي الشدة، بل هم في الشدة أكثر شركًا، وأشد تعلقًا بهم من حالة الرخاء، وأما مشركو الجاهلية الأولى فيشركون في الرخاء ويخلصون لله في الشدة" (٢).

ويقول رحمه الله أيضًا: "وهذا بخلاف مشركي زماننا اليوم من عباد القبور وغيرها، فإنَّهم يشركون في الشدة أضعاف شركهم في الرخاء، حتى إن كانوا ينذرون لهذا الولي في الرخاء ببعير، أو تبيع، أو شاة، أو دينار، أو درهم، أو نحو ذلك فأصابتهم الشدة زادوا ضعف ذلك، فجعلوا له بعيرين، أو تبيعين، أو شاتين، أو دينارين، أو درهمين، أو غير ذلك، وأيضًا فإنهم يعتقدون فيهم من صفات الربوبية، وأنهم متصرفون فيما لا يقدر عليه إلا الله، وغلا بعضهم حتى جعل منهم المتصرف في تدبير الكون على سبيل الاستقلال، ويقولون فيه: إنها لا تتحرك ذرة ولا تسكن إلا بإذن فلان، تعالى الله وتقدس، وجل وعلا عن أن يكون معه إله غيره، أو يكون له شريك في الملك، أو ولي


(١) الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق (ص ٣٩٨).
(٢) معارج القبول (٢/ ٥٣٩).