للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الذل" (١).

وبهذا يتبيَّن الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين، والنصوص فرَّقت بين الشركين، وفرقت بين حالتي الشدة والغفلة؛ فالشدة يتبعها الإخلاص والتوبة والإنابة، والرخاء والسعة يتبعهما الانتكاس والغفلة، وعليه فشرك الأولين أخف، وشرك المتأخرين أعظم وأغلظ، وإن كان كلّ منهما مشرك، ولكن الشرك يتفاوت، بعضه أغلظ من بعض.

يقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد ذكره لهذه القاعدة: "فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه: وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعون الله ويدعودن غيره في الرخاء، وأما في الضراء والشدة فلا يدعولن إلا الله وحده لا شريك له، وينسون سادتهم، تبيَّن له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين، ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهمًا راسخًا؛ والله المستعان" (٢).

ثانيًا: الذي قاد المشركين إلى إخلاص العبادة لله تعالى حال الشدة والكربة، ورجوعهم إلى الله تعالى إيمانهم وإقرارهم بربوبية الله تعالى، وأنه الخالق والمتصرف في هذا الكودن، وكونه يستحق أن يعبد -سبحانه وتعالى-، وهذا إدن دلَّ على شيء فإنما يدل على توحيدهم بربوبية الله تعالى، ورجوعهم إلى الفطرة التي فطر الله عليها الخلق، فميّزوا وعرفوا أنه لا ينجي حال حصول الشدائد والآفات، ووقوع المصائب والكربات، وتلاطم أمواج البحار، وعتو الرياح، إلا المولى سبحانه وتعالى.

يقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ: "يقرر تعالى أنه الإله الواحد الذي لا شريك له، ولا معبود سواه مما يشترك في معرفته المؤمن والكافر؛ لأن القلوب مفطورة على ذلك، فمتى جاء الاضطرار رجعت


(١) معارج القبول (٢/ ٤٨٥).
(٢) كشف الشبهات ضمن مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (٦/ ١٢٤).