للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ربه تبارك وتعالى: "وكذلك يكلمهم كهلًا؛ أي: في حال كهولته، وهذا تكليم النبوة والدعوة والإرشاد، فكلامه في المهد فيه آيات وبراهين على صدقه ونبوته، وبراءة أمه مما يظن بها من الظنون السيئة، وكلامه في كهولته فيه نفعه العظيم للخلق، وكونه واسطة بينهم وبين ربهم في وحيه وتبليغ دينه وشرعه" (١).

وكذلك الصحابة رضى الله عنهم، والعلماء من بعدهم -سيما أهل الحديث- فهم الواسطة بيننا وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلقي الوحي، ومعرفة الشرائع لا تكون إلا عن طريقهم؛ لأن هذا الدين ما كان ليصلنا كاملًا بدون نقص -بعد حفظ الله تبارك وتعالى له- بدون الصحابة رضى الله عنهم؛ بصبرهم وجهادهم في سبيل الله لنصرة هذا الدين.

يقول الإمام البيهقي (٢) في وصفه لصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وقطع الريب عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وعن الصحابة النجباء الذين اختارهم الله تعالى له وزراء وأصفياء، وخلفاء، وجعلهم السفراء بيننا وبينه -صلى الله عليه وسلم- عن حق عداه أو عدوه، وصدق تجاوزوه" (٣).

ويقول الإمام ابن عبد البر: "وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم، لأنَّهم الواسطة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين أمته" (٤).

فأهل الحديث جعلهم الله أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم


(١) تفسير السعدي (ص ١٣٠).
(٢) هو: الإمام حافظ الزمان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي الشافعي، له العديد من المصنفات منها: "السُّنن الكبرى والصغرى"، "دلائل النبوة"، و"شعب الإيمان"، و"الأسماء والصفات" وغيرها، توفي سنة ٤٥٨ هـ. [انظر: سير أعلام النبلاء (١٨/ ١٦٣)، وطبقات الحفاظ (١/ ٤٣٢)].
(٣) كتاب الأسماء والصفات، البيهقى (٢/ ٣٨٥).
(٤) التمهيد (٢٣/ ١٩٥).