للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومع هذا فلا ينكرون ما خلقه الله من الأسباب التي يخلق بها المسببات كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: ٥٧]، وقال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: ١٦]، وقال تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦]، فأخبر أنه يفعل بالأسباب" (١).

وبالنسبة للوحي فإن جبريل هو الواسطة بين الله تعالى وجميع أنبيائه ورسله، كما قال عزَّ وجلَّ في شأن الوحي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)} [الشعراء: ١٩٣، ١٩٤].

يقول الرازي في "تفسيره": "وأما جبريل عليه السلام فهو كان الواسطة بين الله تعالى وبين جميع الأنبياء، فكان عالمًا بكل الشرائع الماضية والحاضرة، وهو أيضًا عالم بشرائع الملائكة وتكاليفهم" (٢).

ويقول الألوسي: "وقد دلت الآية على تعظيم جبريل، والتنويه بقدره، حيث جعله الواسطة بينه تعالى وبين أشرف خلقه، والمنزل بالكتاب الجامع للأوصاف المذكورة" (٣).

كما أن الرسل هم الواسطة بيننا وبين الله تعالى في تبليغ الوحي وإيصال الشرائع والأحكام إلى الخلق.

يقول أبو عبد الله القرطبي: "وأن رسله صادقون في قولهم، ومؤيدون بالمعجزات من عند ربهم، وأنهم عبيد الله ورسله، وأنهم بشر مثلنا، إلا أن الله تعالى فضلهم: بأن جعلهم واسطة بينه وبين خلقه" (٤).

ويقول الشيخ السعدي في شأن عيسى عليه السلام وما له من المنزلة عند


(١) مجموع الفتاوى (٣/ ١١٢).
(٢) التفسير الكبير (٢/ ٢٠٨).
(٣) تفسير الألوسي (١/ ٣٣٣).
(٤) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام، للقرطبي (ص ٤٤٠).