للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عاقل مميز، وليس كل مميز عاقلًا (١).

وقال رَحمهُ الله أيضًا: "لأن العقل على الحقيقة إنما هو استعمال الطاعات، واجتناب المعاصي، وما عدا هذا فليس عقلًا بل هو سخف وحمق" (٢).

فالعاقل إذًا لا بد أن يجمع بين العلم بالحق والعمل به.

يقول الإمام ابن تيمية: "والمطلوب من الناس أن يعقلوا ما بلغه الرسل، والعقل يتضمن العلم والعمل، فمن عرف الخير والشر فلم يتبع الخير ويحذر الشر لم يكن عاقلًا؛ ولهذا لا يعد عاقلًا إلا من فعل ما ينفعه واجتنب ما يضره، فالمجنون الذي لا يفرق بين هذا وهذا قد يُلْقِي نفسه في المهالك، وقد يفر مما ينفعه" (٣).

ويقول الإمام أبو عبد اللَّه القرطبي (٤): "وأما كمال العقل فبه تعرف حقائق الأمور، ويفصل بين الحسنات والسيئات، فالعاقل يعمل لآخرته ويرغب فيما عند ربه" (٥).

والقلب هو مكان التعقل، ولذا ربما جاء التعبير بالقلب مرادًا به العقل، وهو أسلوب عربي معروف، فيطلق المحل ويراد الحال فيه.

ولذا عرَّف بعضهم القلب بقوله: "وهو النور الذي خص اللَّه تعالى به نوع الإنسان، وشرفه به، وجعله مناط توجيه الأمر والنهي، والإبانة


(١) الإحكام لابن حزم (١/ ٥٠).
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل (٣/ ٦٦).
(٣) مجموع الفتاوى (١٥/ ١٠٨).
(٤) هو: محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري، الخزرجي، الأندلسي، القرطبي المالكي المفسر؛ من مصنفاته: جامع أحكام القرآن، في التفسير، والتذكرة، وغيرها. توفي سنة ٦٧١ هـ. [انظر ترجمته في: الديباج المذهب (ص ٣١٧)، وطبقات المفسرين للداوودي (١/ ٦٩)].
(٥) تفسير القرطبي (١٤/ ٣٥٤).