للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخطاب -رضي الله عنه-: (أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو قائم بعرفة يوم جمعة) (١).

وما من شكَّ أن توحيد اللَّه بالعبادة، وإفراده بالتعلق، وتصفية القلوب بتعبيدها لخالقها، وتخليص العقول من الذل والخضوع والتعلق بغير اللَّه تعالى هو من أعظم النعم التي كمل اللَّه بها شريعة الإسلام، بل في شريعة الإسلام من إظهار هذا التوحيد، وتحقيقه وتوطيده في قلوب العباد ما لا يعرف مثله في ديانة من الديانات.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلما بعث اللَّه محمدًا أظهر به توحيد اللَّه، وعبادته وحده لا شريك له ظهورًا لم يعرف في أمة من الأمم، ولم يحصل مثله لنبي من الأنبياء، وأظهر به من تصديق الكتب والرسل .... ما لم يكن ظاهرًا لا عند أهل الكتاب ولا غيرهم" (٢).

ثانيًا: أن علم المسلم بتكميل اللَّه تعالى للأديان والعقول يجعله عزيزًا قويًا بربه تبارك وتعالى، لا يخاف ولا يتذلل ولا يخضع إلا لفاطر السموات والأرض، ولا يضعف تحت تأثير الخرافات والخزعبلات؛ إذ كل ما سوى اللَّه لا يخرج عن أمره وسلطانه، بل هو ضعيف ذليل لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا فضلًا عن أن يملكه لغيره، كما أنه عزيز مكرم بهذا العقل الذي وهبه اللَّه إياه، وميَّزه به عن سائر الحيوان، يدرك به ما ينفعه، ويتوصل به إلى أعلى درجات الرقي والتقدم فيما يصلح دينه ودنياه، ويحفظه عن كل ما فيه إهدار لقيمته، أو تحقير من شأنه ومنزلته،


(١) صحيح البخاري (١/ ٢٥)، رقم (٤٥).
(٢) الجواب الصحيح (٥/ ٩٥ - ٩٦).